أحدق لساعات و ساعات في ركن غرفتي، و لكنني لا أراه بل لا أرى غرفتي ككل ..
أنا لا أرى سوى ذاك الفراغ بداخلي..
أشيح بنظري عن ركن الغرفة و كإنما يعود إلي وعيي من جديد..
فتلتمس أذناي بعض الكلمات الجادة الآثمة من الحمقى المحيطين بي..
فأسرع النظر لركن غرفتي من جديد..
تحتضر الاصوات مرة أخرى و أغيب عن الوعي..
ما هو المرض النفسي؟ و ما الفارق بينه و بين الإضطراب النفسي؟ لا داعي للثرثرة الفلسفية فأنا لست أهتم حقاً..
المسخ بداخلي يبكي.. يبكي بحرقة.. فأنظر إليه.. و أقترب بحذر و أمد أناملي لجسده المهترئ الدامي فينتفص كإنه قطعة من الجحيم لامست أطراف المياه..
أحتضنه ، أعتصره بداخلي، فيتحول على فوره إلي شظايا رمادية هشة..
و أتحول أنا إلي جسد بالي على أجهزة الإنعاش...
و لكني لم أعد في عالمنا اللعين على الأقل، أنا أدور و أدور في الفراغ..
أضحك و أبكي و أنا أدور و أدور و أدور فيشملني الفراغ و أصبح جزء لا يتجزأ منه..
حسناً، لنعود للبداية.. بداية المسخ بداخلي و كيف أنتهى به الامر هكذا..
سابقاً تسائلت ما هو الفارق بين الإضطراب و المرض النفسي؟
نحن جميعاً نمتلك إضطرابات نفسية مختلفة و لكن من هو المريض النفسي و ما زج به إلى تلك الحالة..
....
يعيش بعيداً في الصحراء يقتله الحر حنقاً في النهار.. و تعتصره أمواج البرد ليلاً..اليوم شعرت بما يشعر به المُقدم على الانتحار..
ينظر إلى مياه النيل فاغراً فاه..
فهو لم يكن ليعتقد انه سيؤول لتلك الحالة الهشة، يرى الفراغ في كل شئ من حوله..
الألوان مزيفة متساقطة، وجوه المارين تتساقط و تذوب جلودها و يبقى الفراغ مهيمن على كل ما يحيط به
ثم يحدق أكثر في النيل.. لا خيار له سوى القذف بجسده البالي في المياه إما أن يقفز بعقله المهترئ حافة المنتهى، حافة الجنون، و يصبح مثل ذاك المجنون كريه الرائحة الجالس بجانبه يلهث و يتمتم بكلمات بائسة لا رجاء منها،، الناس تتجنبه و تهزأ منه و الحق كل الحق أنه هو إيضا يهزأ منهم..
لذا.. هل هو مصير المنتحر الضعيف، أم هو مصير ذاك المجنون الصدأ.. و من يدري..
مسلمي بورما، التطرف، العنصرية، الفقر، المرض و غيره مما لا تستطيع روحه تقبله..
كان يحمل كل تلك المآسي على عاتقه... و يفكر في ضآلة النفس البشرية و تسلطها اللعين..
التعليقات
أما بخصوص العالم الكئيب... مسلمي بورما... أطفال غزة... حلب المدمرة...الانسان الذي أصبح قتله كقتل ذباب... الاسلام المتهم على كل الشاشات...المسلمون الذين اختلفوا في أتفه الامور فما بالك بالقضايا الكبرى......................................................... و اللائحة طويلة.
ليس حلا الارتماء في نهر النيل...لن يحل قضية مسلمي بورما...و لن يحرر القدس و لن يوحد المسلمين و لن ينشر الحق ..... الانتحار ضعف.... الانتحار لم يكن يوما هو الحل...
و ما الحل؟؟؟ كيف نعيش في هذه الارض وسط هذا الدمار؟
سنعيش و لو للابتسام في وجه الصديق...سنعيش و لو للأخذ بيد والدك في الضيق...سنعيش و لو لنغرس بذرة الأمل في رضيع...سنعيش لنقول كلمة الحق كل من مكانه و منبره...سنعيش و لو لنغرس شجرة... سنعيش و لو من أجل أن نقول كلمة طيبة ربما تنفع أحدهم يوما ما......
الحياة جميلة و ما يدور فيها من مآس هي إرادة الله و لو شاء لأفنى الأرض و جاء بمخلوقات أخرى و أقوام آخرين.... لكنه سبحانه و تعالى لم يكلفنا بتغيير العالم... بل فقط بأنفسنا و ما استطعنا إليه سبيلا....
لو نظرنا إلى ما في الحياة من جمال....ستبدو النفس ذلك الشيء الغالي و النفيس الذي يجب أن نحافظ عليه حتى يأخذ المولى أمانته منا.
"للملاحظة فقط ...فمرض الاكتئاب هو مرض نفسي حقيقي يجب مراجعة الطبيب النفسي عليه و عدم الاكتفاء بكلام الناس و أقوالهم في الاقتراب من القرآن و التدين.... ذلك جميل و ضروري أثناء المرض و بعيدا عن المرض ...لكن مراجعة الطبيب و الاستعانة بالاخصائيين ضرورة في هذه الحالة لما يترتب عنها من تصرفات قد تكون خارج إرادة الشخص و وعيه"
اعتذر عن الاطالة... و دمت بخير