من عصابات الأحياء الى عصابات السحر والشعوذة
سميرة بيطام
نشر في 22 شتنبر 2022 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
تكلمت في مقالات عديدة عن عصابات الأحياء ،ولأول مرة شرد ذهني نحو ظاهرة تغلغلت في المجتمعات العربية ككل و ليس الجزائر فقط ألا و هي ظاهرة السحر وفق منظور عصابات في المجتمعات تخرب وتؤلم وبظنها أنها تؤخر مقادير الله أو تلغيها..ترددت كثيرا في الخوض في مثل هكذا موضوع لأني كتبت عن ظاهرة السحر من سنوات بأسلوب بسيط شرحت فيه الظاهرة وعواقبها الضارة على الشخص المستهدف، لكن فكرتي اليوم انتقلت نحو تصورها بشكل منظم ممنهج سعيا من الفاعلين الى استهداف شخصيات مؤثرة لها وزن اجتماعي أو حفاظا على مناصب سامية ، ظنا منهم أن المنصب هو ورث وملكية خاصة مسقطة بذلك الشخصيات البسيطة التي لها أولوية أيضا في هكذا امتيازات بمنظور سن حقوق الغير وأكثر الحقوق شرعية أن تتداول فرصة الحصول على منصب ما نظير الجهود المبذولة والكفاءة المطروحة أمام الجميع والتي يقيمونها على أساس أنها فاعلة وليست تلك القائمة على فكرة من يملك مالا أكثر أو وساطة أكبر ، يعني تاريخيا يمكن القول أن فكرة السحر كانت شائعة منذ القدم من الحضارة المصرية وصولا الى حضارة اليمن انتهاء الى حضارة المغرب العربي الذي ربما يكون قد استورد الطريقة وفهم أساليبها جيدا ليحقق المنافسة الغير مشروعة والتي تدر عليه بالتفوق اللامشروع والغير مرضي لله عز وجل على حساب هلاك مستقبل أمم أخرى وتحطيم مصير أفراد سعوا بطريق مستقيم نحو تحقيق أهدافهم لكنهم في نظر هذه الفئة المتعدية للحدود هم معرقلون ويعتبرون حجر عثرى في الطريق لابد من ازاحتهم لتتاح الفرصة لمن لا يملك معايير التفوق الحقيقية فيتسلق سلم النجاح بسرعة كبيرة دون عياء حتى يقال في وسط الملاحظين أنه نجح، فهل هناك حقا ديمومة لمثل هكذا دويلات مشكلة من جناة ومثل هكذا أشخاص يسعون ربما فرادى و بالقوة لأن يبقوا هم الأقوى ضاربين عرض الحائط كل النصوص القانونية و الشرعية التي تحرم مثل هذه الأفعال التي انتشرت مؤخرا بشكل سريع ينذر أن ثمة ارتفاع كبير في درجة الفساد الأخلاقي والتي على الدول جميعها التصدي لها حتى لا تصبح منظمة في شكل جرائم متكررة كجرائم الإرهاب المتنقل عبر القارات وجرائم تبييض الأموال وجرائم عصابات الميليشيات المخترقة للحدود وغيرها من الجرائم التي وصفها القانون الدولي أنها مهددة للأمن القومي بصفة عامة .
اذا..السحر ،نسمع كثيرا علن الظاهرة ونسمع كثيرا عن أشخاص تم استهدافهم به وتم تعريض صحتهم للمرض و للعجز ولترك منصب العمل ومغادرة أدراج الجامعة وكذا التطليق الذي أحيانا يأتي بطرق عفوية بغير سبب يستحق فعلا الطلاق فتضيع زمرة الأطفال في التشرد بسب خلافات واهية، شجارات عائلية ،خلافات مستمرة بين الاخوة وبين الوالدين ..انتكاسات مستمرة لمشاريع التجارة ومشاريع التنمية الفردية و توقف هناك عن الاستمرار في بناء صرح ما ولو كان بناية بسيطة..يعني مظاهر غير واضحة السبب ولكنها كائنة وقائمة وبكثرة في المجتمعات العربية التي ربما غفل علماء الاجتماع على دراسة الظاهرة من هذا الجانب الخفي والذي لا يترك دليلا واضحا للساحر أو لمن يقوم بهكذا أفعال مضرة وتخريبية لأواصر الأسرة الواحدة ومفتتة لعلاقات الصداقة والعلاقات المهنية..ليبقى موضوع السحر والشعوذة في الحقيقة يطول شرحه ولكن سنركز على أهم المحاور فيه.
بالعودة لعصابات الأحياء التي قامت الدولة بشن حرب شرسة عليها لتطويق الفاعلين المجرمين الذين ينتمون لأحياء غير الأحياء التي ترتكب فيها الأفعال العدائية ،تبدو الصورة النمطية لهذه الجرائم مألوفة الآن سواء في الوسائل المستخدمة فيها أو الفئات العمرية المستهدفة وعليه تم وضع مخطط متين لمحاربتها بتتبع أثر الجناة وفهم أساليبهم الاجرامية ،لكن عصابات السحر ،هل هي حقا عصابات أم أفعال فرادى تقتصر حكرا على أشخاص ينتحلون صفات ظاهرية أحيانا برقاة وأحيانا لمعالجين وهلم جرا.
أظن ولو لم أطالع على هذا الصنف من الاجرام أنها ترتقي لأن تصبح عصابات منظمة خاصة اذا كان الفاعل هي شخصيات غير معروفة في المجتمع لديها من المال ما يكفي لتطويق جموح الغير وجعله متوقفا أو بالكاد منعدما بحسب سهولة الوصول للضحية المستهدفة ان لم يكن لديها زاد كاف من الوعي الديني والايماني الذي يحصنها ضد هذه الآفة المجتمعية، والتي باتت تهدد سلامة وأمن و استقرار الأفراد و الأسر والمجتمعات وبقاء مناصب العمل لأصحابها..وفي هذا السياق من الكلام كتابة نشيد ونثمن جهود الدولة وعلى الأخص في سن قوانين لحماية الخصوصية الفردية التي يحب الجناة اختراقها لإحداث ذلك الفارق في الحظوة المشروعة في النجاح في الامتحانات المصيرية التي تتوج الفائز ليحظى بارسالية للخارج أوبالظفر بترقية مصيرية تكسب المجتهد نقاطا إضافية نظير كفاءته المهنية ومواضع الأمثلة كثيرة في هذا المقام..صراحة بتنا نلاحظ فروقات عميقة في كيفية التعيين في المناصب وكذا انهاء المهام وعلى أي أساس تم ذلك..ولماذا التهميش بغير سبب وجيه.
أعود لأقول أن ظاهرة السحر التي انتشرت بشكل مكثف لتقلل من شأن الجهود المبذولة لتطويق الجريمة بشتى أنواعها هي ظاهرة ضعيفة في مضمونها وتحتاج من المواطن أن يتحلى بالوعي الكافي ليعرف خباياها دون أن يتعلمها بل ليحمي نفسه منها وذلك بالمواضبة على الصلاة والتحصينات بالأذكار واخبار الشرطة الجوارية عن أي أشخاص غرباء يرتادون الأحياء السكينة دون حاجة لذلك خاصة اذا تكرر ظهورهم في هذه الأحياء ونوع السيارات التي يأتون فيها لتنفيذ مخطط السحر بالاقتراب من الأحياء السكنية أو ربما عن بعد باستغلال أشياء ملك للضحية كصوره أو ملابسه وغيره من أنواع السحر التي ذكرها علماء الدين من مرشوش ومشموم ومأكول ومدفون، فالوعي كل الوعي هو ما سيجعل المجتمع يقظا متفطنا لما يحاك ضده ومترابطا و متناسقا مع الأجهزة الأمنية من أجل معرفة أبعاد هذه الظاهرة والطرق المستخدمة فيها تفاديا للضرر وحماية للحقوق التي كفلها الدستور وكذا قوانين الجمهورية.. فأبعاد ظاهرة السحر اذا كانت منظمة فهنا إشكالية قائمة لمعرفة من يسهر على هذا المشروع الخبيث وان كانت تتم بطريقة فردية فيجب معرفة ما هي الدوافع لمثل هكذا انحراف سلوكي ،وعلى الدولة أن تضرب بيد من حديد في كلتا الحالتين لوضع حد لمثل هكذا آفات مضرة ومخربة و مفرقة للشمل وللمصير..ويبقى الوعي وقاية خير من ألف علاج.
-
د.سميرة بيطاممفكرة و باحثة في القضايا الإجتماعية