ديزني لاند عربية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ديزني لاند عربية

  نشر في 07 يناير 2016 .




كنت بصدد تصفح بعض المواقع الإلكترونية، عندما شد انتباهي احد الأخبار التي لم استطع تجاوزها بسهولة. كان الخبر يتحدث عن رغبة احد الدول العربية في إنشاء "ديزني لاند عربية" مع وجود دراسة مفصلة تشمل مختلف حيثيات المشروع. توقفت عند هذا الخبر و أعدت قراءته حوالي عشر مرات، و قد كانت فكرة واحدة تسيطر على عقلي في تلك الأثناء، وهي حالة الشعوب العربية و ما تعانيه من صعوبات في مختلف المجالات. أهذا حقاً ما ينقص الدول العربية اليوم؟

إن وقع هذا الخبر كان بمثابة الصدمة بالنسبة لي، فقد ضاع عقلي داخل صراع بين العديد من الأفكار حيث انغمست بين صور الشعوب العربية و ما تعانيه من ظروف قاسية. مرت أمامي صور معاناة الشعب الفلسطيني، الأطفال الذين يقتلون يوميا، المنازل التي تهدم و الأراضي التي تغتصب، النساء التي ترمّل والأسرى الذين يعذبون في السجون تحت أيادي الغدر، الرجال الذين يستشهدون يوميا و يسقون بدمائهم أرضهم. ثم انتقلت بأفكاري إلى بلد الحضارة العراق و ما عانته في السنوات الماضية، فقد قتل أبنائها و شردت عائلاتها و اغتصب تاريخها و انتهكت حرمتها. لم استطع أن لا أفكر أيضا في لبنان و ما تعانيه من انقسامات طائفية، ومن تفجيرات تردي بحياة العديد من الأبرياء. لينتهي بي المطاف في دول الربيع العربي ابتدءا من بلد السلام تونس و أم الدنيا مصر، و معاناتهم من القمع و الاستبداد في ضل الأنظمة السابقة. مرورا بليبيا و الانقسامات التي تشهدها جراء الثورة، و صولا إلى سوريا الجريحة إلى حد هذه اللحظة و ما يعيشه أهلها من ظروف صعبة، وخاصة ما يواجهه اللاجئين من سوء معاملة في الدول الغربية.

إن الدول العربية اليوم تتألم فعليا، فدماء أبنائها و أحلامهم أريقت على حافة الطرقات. ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل إنشاء "ديزني لاند عربية" كفيل بجعل الدول العربية تستعيد مجدها و مكانتها بين الدول؟

الشعب العربي اليوم ينزف من جميع الجهات، فالحالة الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية يرثى لها. فشعوبنا اليوم تعاني الفقر و الخصاصة، تعاني المجاعة و التخلف و تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية. هذا بالإضافة إلى مشاكل قطاع الصحة، و انتشار الأوبئة و الأمراض، و ضعف التجهيزات الطبية في المستشفيات. بالإضافة إلى أنظمة التعليم الفاشلة بكل المقاييس، فأغلب الجامعات العربية تحتل مراتب متأخرة مقارنة بأنظمة التعليم في الغرب. كما نجد أيضا تردي الأوضاع الاقتصادية و انعكاساتها على الشعوب، فأغلب الدول العربية تعيش على الإعانات و القروض. ليبقى السؤال أما كان الأجدر السعي لإصلاح هذه الأوضاع، بدل إنفاق أموال طائلة على إنشاء مثل هذه المشاريع من باب مجارات الغرب لا أكثر؟ إن هذه المجارات يجب أن تشمل مختلف المجالات و لا تقتصر فقط على تقليد مشاريع نحن في غنا عنها.

أما كان الأجدر أن نصرف هذه الأموال على بناء مستشفيات و مدارس في المناطق المهمشة، و تحسين وضعية سكانها و أوضاعهم الاجتماعية، و تقديم الإعانات للاجئين و الدول المنكوبة التي تعيش تحت و وطأة الحروب. أما كان الأجدر مثلا صرف تلك الأموال على الأبحاث العلمية، و تطوير الوسائل المعتمدة في هذا المجال لتحقيق نهضة فكرية و علمية، و السعي للحد من هجرة الأدمغة للتقليص من التبعية المستمرة للغرب.

نجد اليوم أن العالم العربي ليس بحاجة إلى "ديزني لاند" بقدر حاجته إلى عقول و أفكار أبنائه، للمساهمة في إعادة بناء حضارته، و إخراجه من وحل الكسل و النمطية القابع فيها. إنّ مجتمعاتنا العربية تعيش في مسرحيات متنوعة، تتعدد الشخصيات المشاركة ضمنها، و تختلف أدوار البطولة حسب مكانة الأشخاص. فلسنا بحاجة لشخصيات "والت ديزني" لنكتشف الخير و الشر، يكفينا أننا جزء من أكبر مسرحية تحاك في تاريخ العالم.

لذلك فالدول العربية اليوم تحتاج إلى وقفة حقيقية، لنتمكن من تحقيق النهوض و الرقي في هذه المجتمعات. لا أعرف كم من الوقت سيتطلب ذلك، ولكن كلي أمل أن تصبح الشعوب العربية القوى العظمى في العالم في يوم من الأيام، و تستعيد مجدها الضائع.            


  • 9

   نشر في 07 يناير 2016 .

التعليقات

راوية وادي منذ 7 سنة
عزيزتي طرحك للمواضيع و مناقشتها جميل و عقلاني و من باب التوضيح أن الإعلام في وطنا العربي مسيس تماماً بيد طبقة من الإنتهازيين و التجار الذين همهم ملء الجيوب و استملاك كراسي السلطة و آخر همهم مصلحة و معاناة الشعوب
0
مقال يستحق القراءة و الاهتمام و التقدير و الاحترام ,,, تحية لكي سيدتي و لعل احد ما يسمى بقادة الامة يقراْ شيئا او يفهم لماذا هكذا اصبح حال الامة
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا