عن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ ”
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/139 ، رقم 6026) وفى الكبير (12/453 ، رقم 13646) ، وفى الصغير (2/106 ، رقم 861) ابن أبى الدنيا في كتاب قضاء الحوائج (ص 47 ، رقم 36) قال الألباني( حسن ) انظر حديث رقم : 176 في صحيح الجامع .
الإنسان المسلم شخص إيجابي حريص على نفع الناس ونشر الخير بينهم ولا يألوا جهدا في إيصال هذا الخير إلى من يعرف ومن لا يعرف وذلك لأن نشر الخير وتحقيق النفع للغير هو مقصد من مقاصد العبادة ‘ فما الصلاة والصيام وغير ذلك من العبادات التي يعود نفعها على الإنسان إلا لكي تثمر من ضمن ما تثمر حركة المسلم بالخيرية في هذا الكون ولذلك قال الله تعالى في توالي الأمر بعد الركوع والسجود والعبادة ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” الحج 77
ولقد أمرنا الله تعالى أن ندعو إلى الخير قال تعالى ” وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ…………”آل عمران 104 والدعوة إلى الخير نوع من فعل الخير .
والمسلم الذي يحرص على نشر الخير بين الناس وإيصال المنافع إليهم من غير رغبة في أجر أو ثناء أو الحصول على منفعة لنفسه ، يكسب قلوب الناس فيحبونه ويحترمونه ويجلونه ويسمعون قوله ويحرصون على سماع رأيه في كل نازلة ، ويلجأون إليه لحل مشكلاتهم .
وبجانب محبة الناس هناك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي يتحصل عليه المسلم من نفع المسلمين ، فقد جاء في الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربه من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) .
زاد ابن أبي الدنيا ( ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب
والسعي في قضاء حوائج الناس سبب من أسباب السعادة ، فالمسلم حينما يسعى في حاجة من حوائج الناس يشعر بسعادة غامرة ولا سيما إذا تتوج سعيه بالنجاح وتم له ما أراد.
قال أبو العتاهية:
اقض الحوائج ما استطعـت*** وكن لهمِ أخيك فارجْ
فــــلَخـــــــيُر أيام الفــــــتى *** يومٌ قضى فيه الحوائجْ
وخدمة الناس مفتاح للخير، وتعطيلها فتح للشرور، يقول ابن القيم (الجواب الكافي ) :
” وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين وطلب مرضاته، والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر ” .
وبخدمة الناس تُجذب أفئدتهم وتستمال قلوبهم .
قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم * * فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
وكُنْ على الدّهرِ مِعْوَانًا لذي أملٍ * * يرجو نَداكَ فإنّ الحُرَّ مِعْوانُ
واشْدُدْ يديك بحبلِ اللهِ معتصمًا * * فأنّه الرّكنُ إنْ خانتك أركانُ
من كان للخير منّاعًا فليس له * * على الحقيقة إخوانٌ وأخْدانُ
من جاد بالمال مالَ النّاسُ قاطبةً * * إليه والمالُ للإنسان فتّانُ
وقال الحطيئة:
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ
إن قضاء حوائج الناس ونشر الخير بينهم والسعي في مطالبهم يجعل المجتمع بأسره متحابا متآلفا متعاونا ، لا مكان فيه للتباغض والتحاسد ،إذا أن كل فرد في المجتمع يرى أن إخوانه أولى به من نفسه ، يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه ، بل ويؤثرهم على نفسه في كثير من الأحايين.
وأبواب الخير كثيرة وطرق نفع المسلم لأخيه متعددة وأدناها أن يمسك شره عن أخيه إن لم يستطع أن ينفعه بشيء وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ففِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قِيلَ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالَ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفِ قَالَ : قِيلَ لَهُ : أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ الْخَيْرِ قَالَ : أَرَأَيْت ؟ إنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ : يُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ }.
وما أجمل قول الإمام الشافعي رحمه الله:
النَّاسُ بالنَّاس ِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ
وأفضَلُ الناس ِما بين الوَرَى رَجُلٌ تُقْضَى على يَدهِ للنَّاس ِحَـاجَــاتُ
لا تَمنعَـنَّ يدَ المعــروفِ عن أَحــَد ٍ ما دُمـْتَ مُـقْتَدِرًا فالسَّــعْـدُ تاراتُ
واشْكُرْ فَضَائِلَ صُنعِ اللهِ إذْ جَعَلَتْ إليكَ، لا لكَ، عِـنْدَ النَّاسِ ِحـاجَـاتُ
قد ماتَ قـومٌ ومَا مَاتَتْ مـكـارِمُهم وعَاشَ قومٌ وهُم فِي النَّاس ِأمْواتُ
اللهم اجعلنا من الساعين في الخير ويسر لنا سبل الخير ونفع الخلق.
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.