في المرات التي أنجح فيها بالخروج من البيت، وفي المرات التي أبقى فيها على السرير أيامًا أجد السؤال يقفز دائمًا سواء في وجهي أو الشاشة "كيف حالك؟"
إن سألت أي شخص هذا السؤال فمن المفترض أن يُجِب عليكَ بتلقائية بينما أجد أنا صعوبة في الرد معظم الوقت، أحيانًا لا أستطيع حتى فهم السؤال،كيف حالي متى؟ لحظة استيقاظي أم الآن أم ما آمل أن أشعر به أم ما أخدع نفسي لأشعر به، أم الدقيقة قبل أن أنزل الشارع أم ما يراه أصدقائي أم كيف أبدو في المرآة، أم كيف أرى أنا نفسي في المرآة؟
أنا لا أحاول تعقيد الأمور ولكن صدقًا هذا السؤال من أكثر الأشياء المربكة بالنسبة لي مما يجعلني دائمًا أشعر بالسوء، أي إنسان طبيعي يمكن أن يربكه مثل هذا السؤال؟ مما يذكرني أنني لستُ طبيعية. لهذا ألتف على السؤال دائمًا بأنا بخير أو الحمدلله. ولكن هل أنا بخير؟
في أكثر أيامي حظًا أتأمل حالي ،لا أبقى في السرير طيلة اليوم، أخرج من البيت وأقابل أشخاص بل وأندمج معهم بسلاسة دون ضيق في الصدر أو نوبات هلع، أحاول الدراسة، ألعب رياضة خفيفة للغاية، إذًا أنا بخير، صح؟
المشكلة أنني أعلم أنني بخير، لستُ في أقصى درجات إكتئابي ولكن بشكل ما ورغم كل شيء، لا أشعر أنني بخير.
أتأمل حالي، لم أعد أقرأ الشعر ولا أستمع للقصائد، لم تعد سيلفيا بلاث تملأ رأسي ، لم أعد أفيق وجملة ما ترن برأسي، لم يعد يحضرني الشعر ليؤنسني عندما أشعر بالبؤس، لم يعد بإستطاعتي قراءة الروايات والإندماج في الحكاية؛ لا الموسيقى تملأ رأسي ولا يداي تتراقص على نغمها.
توقفت عن فعل بعض تلك الأشياء بقصد فقد توقفت عن قراءة سيلفيا بلاث في ذروة حبي لها لأن الكلمات كانت تؤثر في بشكل أكثر من الازم فأقتنعت أنني زجاجية (vulnerable) ويجب أن أتوقف عن قراءة كل شيء حتى لا أقتل نفسي.
كنت أكتب الشعر متأثرة بالشعر الذي أقرأه، كان شعرًا رديئًا وبلا معنى ولكنني كنت أكتب، كنتُ أتفاعل تجاه الأشياء. كان لدي شيئًا برأسي وروحي استطاع أن يخرج إلى النور، أما الآن فلا أسمع أي شيء برأسي ولا أجد ما أشارك به أقرب الأصدقاء لي ولا حتى بكلمات كتبها شخصُُ آخر. كلما حاولت التنقيب برأسي عن صوت موسيقى أو قصائد كل ما أجده هو صوت ضجيج الناس والسيارات بالشارع، وصوت بكاء طفلة الجيران وصراخ أمها من ضيقها بها.
أشعر بفراغ، بفراغ تام يخنقني حتى أنني فقدت الإحساس بنفسي، حتى أنني بالفعل انفصلت عن نفسي فلم يعد بإستطاعتي الحديث بإسمها.
حاولت أمس الإنتهاء من أحد الكتب التي تقص فيها بطلتها تجربتها مع الإكتئاب ومحاولة الشفاء منه، انتهيت منه وأنا أفكر في الجملة التي كتبها أحد الكتاب على لسان فان جوخ:" هذا الحزن سيستمر للأبد" ، أو بمعنى أصح "هذا الإكتئاب".
سيظل الإكتئاب يسحب مني كل ما بداخلي، سيظل يُربكني، سيتلاعب بي دائمًا بين كفيه وسيجب علي أن أتناول الأدوية دائمًا وسيلاحقني كنقطة ضعفي للأبد، ستظل أمي تراني عاجزة عن السفر وعن البقاء وحدي للأبد بسببه، ولن أستطيع أبدًا أن أكتفي بنفسي، وربما لن تصبح الأمور بخير.
لم أعد أقرأ ولا أستمع للموسيقى ولا أكتب ولا أرسم ولا أشاهد فيلمًا جديدًا، ويصاحبني كل ليلة الخوف من المجهول والمعلوم ، ولكنني بخير.. شكرًا لسؤالك.
التعليقات
كلماتك صادقة و تعبر عن وضع آلاف من الفتيات و الفتيان على حد سواء. المشكلة ليست في زهدك في الأشياء ،و لا مقاطعتك لما تحبين من هوايات ،و لا في محاولاتك استنباط مشاعرك وردود أفعالك اتجاه الأحداث و الأشخاص. عزيزتي أنت طبيعية تماما و لكن الإشكال بسيط جدا. أتدرين ما هو؟ التركيز على النفس و التجديف في موج هاثج من المشاعر و الأحاسيس الداخلية الذاتية، لأنك لم تعرفي المعنى الحقيقى لكون الإنسان فرد ضمن مجموعة يجب عليه الإنشغال معهم و بهم. عزيزتي أنت بجاحة لعمل و مسؤولية تعطيك الإحساس بالوجود و النفع ،و تسكن روحك و قلبك بقدرتك على العطاء و أن حياتك لها معنى..وقت الفراغ الممتلىء بأنفسنا فقط و تحسس كل تفاصيل حياتنا تقتلنا فالبذرة في الأرض مجرد حبة لا يكتب لها الحباة حتى تخرج من باطن الأرض إلى النور إما ورد أو ظل أو شجر. إستمتعت بقراءة مقالك و أعتقد أن لديك امكانيات و أدوات الكاتب، و أتمنى لك التوفبق.