تفنيدٌ لتفريق لغوي باطل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تفنيدٌ لتفريق لغوي باطل

  نشر في 20 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فقد وصلني منشور على الواتساب من أخ عزيز ينقل فيه كتابة عجيبة لأحد الأشخاص، كتابةٌ تدل على عدم إلمامه بما يتكلم فيه، ويَظهر أنه متطفل غير متخصص فيما يخوض فيه، بل ولا مشارك في اللغة وعلومها، ويدّعي مع ذلك فيما يقرره استقراءه للنصوص !، وفحوى كلامه أنه يُخَطِّئ كلَّ مَن يستعمل كلمة 《المثوى》في سياق النعيم، في نحو عبارة: جعل الله الجنة مثواك أو يقال لمن مات غفر الله له وجعل مثواه الجنة..،

وزعم أنَّ لغةَ العرب والوحيَ لم يأتِيا بكلمة المثوى وما يتصرف منها إلا في العذاب !!

كما أنه يزعم أنه لا تُستعمَل كلمة 《المأوى》 وما تصرف منها إلا في النعيم !! ولا يجيز العكس أبدا، يزعم أنه خلُص إلى هذا التفريق بالاستقراء !!، وليت شعري أي استقراء هذا الذي يخَلِّف وراءه الكثير من الأدلة والشواهد التي تبطل دعواه.

فعلقتُ على كلامه هذا بتعليق فيه شواهد تفنّد هذا الزعم، ثم وصلني نفس المنشور من صديق آخر بعد مدة قريبة، فرأيتُ أن أنشر هذا التعليق وذلك لانتشار هذه المقولة غير المحقَّقة، ولا بالتي بُنِيَتْ على أساس صحيح؛ رجاءَ أن ينتفع به الإخوة الفضلاء حفظهم الله تعالى.

فقلتُ:

المثوى: مِن الفعل: ثوى يَثْوِي؛ بمعنى: أقام،

قال العلامة ابن فارس:

ثوِيَ: الثاء والواو والياء كلمة واحدة صحيحة تدل على الإقامة، ويقال: ثوَى يثوي فهو ثاوٍ....، ويقال: أثوى أيضا) انتهى من معجم مقاييس اللغة بتصرف.

فأنت ترى العلامة ابن فارس جعل الثُّوِيَّ  لِمُطلَقِ الإقامة؛ غير مشعرة بخير ولا شر، كما هو سَنن كلام العرب.

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في الأضواء عند قوله تعالى 

( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ..) {الفرقان 24}

بعد كلام له طويل عن الآية، قال رحمه الله معلقا على بيتٍ لأبي أحيحة الجلّاح الأنصاري:

وما تدري وإن أجمعتَ أمرا ... بأي الأرض يدركك المَقيلُ

قال رحمه الله: ( وعليه فالمعنى: بأي أرض يدركك الثواء والإقامة بسبب الموت أو غيره من الأسباب. ) انظر أضواء البيان عند تفسير الآية المذكورة أعلاه.

فاسم المثوى والثواء لم تضعْه العرب للذم أصالة، ولا هو مشعِرٌ بالذم في نفسه عند الإطلاق حتى يقال إنه خاص بالعذاب أو بجهنم.

ومن الأدلة البينة على استعماله لمطلق الإقامة قوله تعالى "وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا " {القصص 45}، أي: مقيما في أهل مدين.

ومن الأدلة على ذلك أيضا قول حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعرِ النبي صلى الله عليه وسلم يرثيه بعد موته :

فبوركت يا قبرَ الرسول وبوركَتْ

بلادٌ ثَوَى فيها الرشيدُ المسدَّدُ

أي سكن فيها وأقام وهي المدينة النبوية.

ومن الأدلة على ذلك أيضا قول الحارث بن حِلِّزة:

آذَنَتْنَا بِبَيْنِها أسماءُ

رُبَّ ثاوٍ يَمَّل منه الثَّواءُ


(الإيذان: الإعلام.

 البَيْنُ: الفراق. 

الثواء والثُوِيّ: الإقامة، والفعل منه: ثوَى، يثوي. 

يقول: أعلمتْنا أسماء بمفارقتها إيانا، أي بعزمها على فراقنا، ثم قال: ربَّ مقيم تُمَلُّ إقامتُه، ولم تكن أسماء منهم، يريد أنها وإن طالت إقامتها لم أمللها، والتقدير: ربَّ ثاوٍ يمل مِن ثوائه)

/ راجع شرح الزوزني على المعلقات السبع .

والبيت أيضا من شواهد ابن فارس في المعجم على نفس المعنى فانظره في معجم المقاييس 

وعليه فالثواء والمثوى لم يوضع للذم  لا فعلا ولا مكانا في أصل كلام العرب، فهو عندهم للإقامة مطلقا، فإذا أرادوا ذم الإقامة جاءوا بكلمة زائدة تدل على الذم نحو "بئس" كما في القرآن (وبئس مثوى الظالمين ) {آل عمران 151}

وقوله تعالى: (فلبئس مثوى المتكبرين) {النحل 42}..

فالذم مستفاد من الفعل:بئس؛ لا مِن جذر كلمة: مثوى فليُعلَم.

هذا وقد ورد إطلاق الثواء لأهل الجنة ونعيمها أيضا، وذلك في القرآن الكريم ! فأين أنت مِن القرآن يا مَن تجرَّأ على نفي كون الثواء يأتي في معنى الخير والنعيم، وقصَرَه على العذاب والجحيم ؟!

قال الله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار ) {العنكبوت 58}. لنبوئنّهم من التبوأ وهو النزول بالمكان والإقامة فيه، أي: لنُنْزِلَنَّهم.

قرأ الأصحاب وهم حمزة الزيات وعلي الكسائي وخلف العاشر ( لَنُثْوِيَنَّهُم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار) مِن الثواء وهو الإقامة وتوطُّنُ المكان فالمعنى واحد في القراءتين.

فأين الاستقراء _المزعوم _ الدال على عدم وقوع الثواء والمثوى في القرآن نعيما !!؟ وقد جاء الثواء وصفا لإقامة المؤمنين في الجنة

حقا إن الإنسان عدو ما يجهل !.

كما أنَّ جَعْلَ هذا الشخص كلمةَ المأوى للنعيم والجنة دائما غير صحيح؛ ولا هو مطرد في نصوص القرآن والسنة ولا  هو جارٍ على سَنَنِ العرب في كلامهم.

فقد وردت كلمة المأوى في سياق العذاب نحو قوله تعالى ( ومأواه جهنم وبئس المصير ) آل عمران، وقوله تعالى (.. فمأواه النار ) في المائدة، وفي قوله تعالى( فإن الجحيم هي المأوى) في النازعات،...

والخلاصة أن المثوى وما تصرف منه، والمأوى وما تصرف منه لا يدلان على نعيم ولا عذاب إلا بقرينة في السياق، لأن أصلَ وضعِهِما يدل على مطلق الإقامة.

وبهذه الشواهد يظهر لك بطلان ما زعمه هذا المتطفل من التفريق بينهما، وتخصيص كلّ لفظ منهما بمعنى.

ولو أن أمثال هؤلاء القوم غيرِ المتخصصين تركوا الكلام في اللغة تنظيرا وتقعيدا وتأصيلا وتصويبا وتخطئة، وابتعدوا عن الاستنباط من نصوص القرآن والسنة لعدم أهليتهم لذلك، واقتصروا على تخصصاتهم لكان أسلم للعِلم مِن تمَحُّلِهم؛ وأسلم لهم؛ وأسلم للناس.

والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب هذا التعليق من يرجو من الله إقالة العثرة ومغفرة الزلة والستر في الدنيا والآخرة ليلة 21 صفر 1441 .



   نشر في 20 يونيو 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا