إن المسلمين في الغرب يشكلون اليوم معضلة عويصة و صعبة تصعب والموازنة فيها بين المصالح و المفاسد أمام تحديات كالهوية الإسلامية و تربية الأولاد في بيئة فاسدة يغلب عليها طابع الانحلال و كثير مما نهى الإسلام عنه و حذر منه ،وحجة من يسمون الجالية الإسلامية في الغرب الوحيدة أمام هاته الحقائق الصلبة و الوقائع المؤلمة هي القول بالمعيشة الأفضل في الغرب و فرص العمل الأكثر و يغفل القائلون بهذا على أن حفظ الدين أولوية أكبر و أعظم في الميزان الشرعي المقاصدي فبإقامة المسلم في بلاد الغرب هذه البلاد الكافرة مخاطرة عظيمة بدينه و آخرته و هذا معنى قد لا يشتمل الأبناء فقط ممن يذهبون لمدارس الغرب ليملأ لهم الغربيون رؤوسهم بما أرادوا من معتقدات فاسدة و أفكار مخالفة .

بين الممانعة و التفسخ الاجتماعي:

إن المسلم في الغرب لديه خياران لا ثالت لهما إما تحصين نفسه و أسرته من شتى المدخلات التي ترد عليه من هذا المجتمع المحيط به فيعتزله و هو أمر بالغ الصعوبة على الشيوخ و العلماء فما بالك بمسلم مهاجر قد لا يكون لديه الحد الأدنى من التكوين الشرعي.فهو مجرد مهاجر قد يكون من أحد البلاد التي أنهكتها الحروب أو غير ذلك من فقر و فاقة يلتمس لقمة عيشه في هذه البلاد الكافرة .

و خياره الأخر هو التفسخ و فتح الباب على مصراعيه أمام كل وارد من هذه البيئة فيتعامل معها لا منها لا مناص له من ذلك و لا مهرب ،و إحدى تجليات هذا التفسخ الاجتماعي الذي يطلقون عليه اندماجا التفسخ اللغوي وهو بالغ الخطورة حيث ينسى الأولاد أو لا يتعرفون من الأساس على لغتهم العربية ذات البعد الإسلامي عربا كانوا أو غير عرب .

يرى الغربي في المسلم الذي يهاجر إلى بلاده ذلك العدو القديم يغزوه بغير الطرق التي اعتادها مبتغيا السيطرة على على مجتمعاته الغربية و القيام باستبدال عظيم حسب الطرح اليميني المتطرف يكون الطرف المستبدل فيه هو الإنسان الغربي الأبيض و الحقيقة أن نظرة العداء هاته التي بنظر بها للمسلم في الغرب لا تختص بها فئة معينة هي اليمينية المتطرفة بل هي عامة في المجتمع الغربي فجراح التاريخ الدموي بين الإسلام و الغرب لم تندمل بعد و لا زال ينظر للمسلم على أنه العدو للحضارة الغربية عكس نظرته للسود أو اللاتين أو الهنود فهم ليسوا بشرا حتى في ميزان التفوق العرقي الأوروبي بل هم أقرب للحيوانات فما بالك بمنافستهم للغرب و بالطبع ينبغي تنقية المجتمع الغربي منهم .

إلا أن المسلم يختلف عن ذلك فهو الخصم في بلاط الشهداء على أعتاب باريس و هو العدو الرابض على أسوار فيينا قبل مدة لا تتجاوز الأربعمائة سنة مدة قصيرة في ميزان التاريخ ناهيك عن الحروب الصليبية التي أثرت كثيرا و شكلت بشكل كبير رؤية الغرب للمسلم و للشرق.

الكارثة اللغوية:

تناولنا في مقال سابق مدى خطورة اللغة و تأثيرها على ثقافة الفرد و نفسيته، بل وطريقة تفكيره و اليوم نرى أبناء العرب المسلمين في بلاد الغرب يتعلمون لغتهم كلغة ثانية في دروس خاصة وهناك من يتركها جملة و تفصيلا مستصعبين لها في حين يتحدثون لغة البلد الغربي الذي يقيمون فيه بطلاقة بل و اللغة الثانية في هذا البلد في حين أن للغة الإسلام و لسان وحيه و قرآنه تهمل قد لا يجيد بعضهم حتى تأدية صلاته بشكل جيد لجهله بها و هي الطامة الكبرى .

الحرب على الفطرة و أبناء المسلمين:

إن الغرب منذ أمد ليس ببعيد كان متحفظا نسائه تقبع في منازلها و كانت فيه الملابس الطويلة الفضفاضة علامة على المكانة الاجتماعية العالية و النسب المرموق و الثقافة الواسعة و العكس بالعكس لكن الآية انقلبت و أصبح الغرب في عالم اليوم طليعة الانحلال الأخلاقي بعدما يسمى الثورة الجنسية و شعارات تحرير المرأة و آخر صيحات هذه الثورة الملعونة القذرة هو دعم ما يسمى المثلية الجنسية و هو في الحقيقة شدود و انحراف عن الفطرة السليمة القويمة ، فعل قوم لوط الذي استحقوا بسببه العذاب الإلهي الماحق و النكال المخزي ،لا يكتفي أرباب الثورة الجنسية و أدواتهم من لوبيات سياسية تضغط لتغيير القوانين لصالح هذه الفئة المنحرفة فيصبح المحرم المستقبح من كافة فئات المجتمعات الغربية المحافظة سابقا جائزا و بل و حقا من الحقوق تجب حمايته و الدفاع عنه و يعتبر الإعلام أداتهم الأهم و الأبرز و الأخطر والأكثر تأثيرا في سعيهم هذا .

فبها استطاع هؤلاء إقناع المجتمعات الغربية بهذه الرذيلة عبر حملات إعلامية ممنهجة و منسقة اعتمدت على آخر ما تم التوصل إليه في العلوم الاجتماعية و علم نفس الجماهير التي تعتمد في أساسها على التكرار كل هذا لتغيير الوعي الجمعي للجماهير الغربية نحو نقبل هذا الفعل القبيح حتى أصبح هذا المجتمع الكاره المستقبح سابقا مدافعا شرسا عن هذه الفئة المنحرفة و حاميا لحقها في ممارسة الفاحشة و كلمة السر لهذا التحول العجيب الجذري هو الإعلام.

انتقلت المجتمعات الغربية لاحقا لمرحلة أخرى من برنامجها الإفسادي هذا عبر مهاجمة كل من سولت له نفسه إنكار هذا الفعل القبيح و التحذير منه ووصمه بالرجعية و التخلف و عدم احترام حقوق الإنسان و ذلك بعد المرور من مرحلة التقبل الأولي .

ووسط كل هذه المعمعة يوجد أبناء المسلمين المهاجرين الذين يتعرضون بدورهم لهذه الحملات الشعواء في بلدان أعلنت الحرب على الفطرة فيتأثر الكثير منهم بهذه الحملات و يقعون في شباكها أمام التقصير و الجهل من جانب الوالدين المشغولين بجني الأموال في جنة الرأسمالية و ما هي لهم بالنافعة يوم يسأل كل راع عن رعيته .

جيل غربي أم مسلم؟

تكون النتيجة في الأخير لهذه الهجرة جيلا لا يدري أهو غربي فيتبع قيم الغرب و ينغمس في ممارساته أم هو مسلم له تاريخ و خصوصية و هم في الغالب للحال الأول أقرب ،كل هذا الفساد العقدي و الانحلال الأخلاقي كان سببه تلك الرغبة في جمع الأموال من بلاد الغرب و تحقيق الرفاه و التعليم الأفضل و المستشفيات الأفضل لكن ما قيمة كل هذا أمام العقيدة و الدين؟

إنا حل هذه المعضلة لا يكون بالحديث الموجز عنها بل يحتاج الأمر إلى دراسات معمقة يشرف عليها متخصصون لفهم هذه الظاهرة الخطيرة و هو مبدأ إيجاد حل لها ، لكن على العموم فإن المسلمين في الغرب ما لم يحصنوا أنفسهم و يخلقوا مجتمعا موازيا داخل مجتمعات الغرب و مالم يعلموا أولادهم واو شيء من العربية مما يستطيعون به إقامة صلاتهم فإنهم سيكونون عرضة لهذا الغزو الثقافي و الفكري الغربي الذي لم يسلم منه من هم في بلاد الإسلام فما بالك بمن هم في مصدر هذه الأفكار و الممارسات و منبعها و ينبغي على المسلمين في الغرب كذلك الوعي بأن الغرب في حربه على الفطرة يركز على الإسلام لكونه هو المدافع الوحيد عنها في العالم بين كل الديانات التي لطالما ماعت لتتمكن من التأقلم مع كل حادث و طارئ عكس الإسلام الذي نرى إعلانا صريحا في كتابه العظيم أن الدين قد تم و أن الرسالة قد تم تبليغها فماذا بعد الحق إلا الظلال