في الآونة الأخيرة، وبينما كثر اللغو والحديث حول برامج الذكاء الاصطناعي خاصة بعد انتشار استعمال تطبيق “شات جي بي تي” (ChatGPT) الذي أظهر قدرات خارقة وكفاءات عالية في التواصل مع البشر، أجد نفسي أطرح تساؤلات كثيرة حول علاقتنا كبشر مع هذه الأنظمة... هل فعلا أنظمة الذكاء الاصطناعي وصلت إلى مستوى عالي من الكفاءة للقيام بوظائف يحتاج فيها الإنسان عقودا لتعلمها وإتقانها ؟ أم أننا نحن من بالغنا في تقديرها ؟ وهل نحن على أتم للاستعداد للتعامل معها أم لا زال العالم يتوجس خيفة منها أمام احتماليات الخطأ والتضليل لهذه النظم ؟ هل نغلق العالم علينا ونرفض التكيف معها أم نقبلها بعيوبها وبأخطائها ؟

إن الانتقاء والتحليل والاستنتاج هي عمليات وليدة نسق فكري ساهم في تركيبه نظام عقلي بشري شديد التعقيد وتطلب من الإنسان عقودا لترتيبه وخلق رصيد خاص به مازجا بذلك خلفيته التاريخية والدينية والثقافية، في المقابل نجد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي استطاعت خلق ذلك لحظيا بواسطة معالجة القليل من البيانات المعلوماتية. وهذا بقدر ما كان ايجابيا فإنه لا يستطيع نفي قدرات الإنسان التي راكمها لسنوات، لأن التكنولوجيا بقدر ما هي ذكية فهي غبية في نفس الآن وهذا ما أوضحته عدة تجارب خاصة مع برنامج ChatGPT ، وهنا أستحضر تجربة إيهاب خليفة، رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الذي يقول في إحدى مقالاته الأخيرة (..فأنت بسهولة تستطيع أن تدرك أن “أبا محمد اسم ابنه محمد”، وهذه معلومة لم يستطع “شات جي بي تي” أن يدركها بداعي عدم توافر المعلومات..) وهذا إن دل فإنما يدل على أن العقول الاصطناعية لا زالت لم تصل إلى ذلك المستوى من التدقيق الذي يتعامل به الدماغ البشري.

إن سرعة تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي و اكتساحها مجالات غير مسبوقة وريادتها في عمليات كانت من قبل خالصة للإنسان كالموسيقى والتأليف والرسم.. سيعمق التخوفات لدى الكائن البشري خاصة مع تزايد سرعة هذا التطور دون مراعاة للدقة والمصداقية التامة ، وبهذا فإنه من وجهة نظري لا ينبغي علينا أن نرفض بشكل تام التعامل والتكيف مع هذه الأنظمة وإلا فاتنا ركب العصر الحديث ،كما أنه لا ينبغي علينا أن نقبل بشكل أعمى كل ما تفرضه علينا ، والأمثل في الأمر أن نتأنى حتى تصل هذه الأنظمة إلى مستوى النضج الذي يبعدها عن مجال الخطأ وإن بدا ذلك بعيد المنال حاليا.

ختاما، أرى التخوفات التي طالت أنظمة الذكاء الاصطناعي مؤخرا تظل تخوفات مشروعة ما دامت هذه النظم غير قادرة للآن وبشكل تام على إبعاد احتماليات الخطأ في وظائفها بل والأخطر من هذا أنها لا تعترف بذلك وتتماهى بإجابات تضليلية، مما يلزم على العالم إعادة النظر والتقييم لكفاءات هذه العقول الاصطناعية.