ممتهنات الجنس بين ظلم القدر وحگرة المجتمع - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ممتهنات الجنس بين ظلم القدر وحگرة المجتمع

  نشر في 08 يونيو 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .


كنت منذ مدّة ولا زلت، اكتب تدوينات، وأخطّ تغريدات، عن أخواتنا الممتهنات للجنس، أحياناً أدافع عنهنّ باستماتة، وأحياناً أخرى أعاتب من يتعرّض لهن بالإساءة، في كلّ الحالات أنا منهم ومعهم، يؤذيني ما يؤذيهم، ويظلمني من يظلمهم، فهم قطعة من وطني، وبضعٌ من إخواني، ليس لهُم فيما صاروا إليه من ارتياد مواخير البغاء، ودور شراء البكارة إلا قسوة الزّمن، وجفاء البلد، يقال "أخطأ القدر في حقهم" .

دعوني بداية أعتذر لأخواتي ممتهنات الجنس، فأنا أيضا كنت سفيها وقلت غير ما مرّة بأن لا عذر لهنّ، فيوجد الكثير من الأعمال التي يمكن الإكتفاء بها لسد رمق العيش، حتّى ضاقت بي الدّنيا يوماً بما رحبت، وصرت تائها بين الدروب، أتوسل للرجال، وأطلب النساء حتى أجد عملاً لا أمدّ بعده يدي لوالدي، لكن لم أجد ذلك قطّ، استمر هذا الوضع لشهور حتى مع بعض الفحول من الأصحاب، هناك استرجعت معاناة فتيات كن يبتن في أحضان أمهاتهن قبل أن تتداول الأيام ويجلب عليهم الزّمان بشرّ ما يحمله من صعاب معاناة، فيخرجو إلى الشّارع لعلّ أحدهم يقضي فيهنّ حاجته بمقابل ماديّ بئيس، صرت أتذكر ما قالت العرب قديماً "ليس الخبر كالمعاينة"، وليس يعذر ممتهنات الجنس إلا من جرّب حكرة الرفاق، ولم يستطع ملء بطنه لأيام .

خرجت ذات فجر من المسجد ففزعتني سيّدة وهي تخرج من أحد المنازل بقربنا عارية في جو بارد جداً، كان الصمت يسود في حينا إلا صوت بكاء مرير، خرج (الذكر) الذي قضى بها حاجته ببعض ملابسها وطالبها بالرّحيل، لم يؤدي لها ثمنها، ولا رحم الجنين الذي في بطنها، ارتدت ملابسها وعادت أدراجها وهي تجرّ أذناب الخيبة و "الحُكْرة"، هذا غيض من فيض فقط، وإلا في الجعبة الكثير من الاخبار التي ينذلّ لها الجبين خزياً، وتسير بها الدموع حُزناً .

وإن تعجب فلا تعجب من ممتهنات الجنس، وإنما من الوعاظ الذين يملؤون بطونهم في كل ليلة بين دعوة لحفل زفاف أو مبيت عزاء، ويعتلون المنابر يحذّرون من البغاء وإتيان النساء، ويحكم ألا صرخة لكم تجاه هذه الوطن فيرحم أبناءه، ويحتضن بناته، والأعظم من هذا حسمهم في مصير النّاس بجهنم والذوبان تحت أشعّة الشمس يوم المحشر، وكأن الله ما غفر لمومس من بني اسرائيل لسقيها لكلب كان عطشاً، أو كأن رسول الله ما نهى عن شتم أحدهم كان كثيراً ما يُؤتى به إليه وهو سكران حتى يقيم عليه الحد، وقال "لا تشتموه فإنه يحبّ الله ورسوله"، مهلاً رجال الدّين وأشياعكم فإن لنا ربّا رحيماً يعرف ما في الصّدور، ويرحم كل النفوس .

هؤلاء المتديّنون الذين يُمطرون ممتهنات الجنس بوابل من السباب، والشتائم، لا يحسنون إلى المغاربة في شيء كإحسانهن لهن، فممتهنات الجنس يساهمن في اقتصاد البلاد بشكل كبير، مقارنة بهم، فممتهنات الجنس تشتري بطاقات تعبئة الهاتف بلا عدد، بينما المتديّن يلتقي بصاحبه في المسجد، ممتهنات الجنس تشتري العطور الغالية، في حين يكتفي المتدين بعطر خمسة دراهم يكفيه لأيام طويلة، ممتهنات الجنس أيضا يشترين ملابس ذو قيمة، ويكتفي المتديّن بقميصه الأبيض لسنوات كثيرة، ممتهنات الجنس يركبن سيارات الأجرة بكثرة، ويكتفي المتدين بالمشي أو تحمله دراجته الهوائية، ممتهنات الجنس يجلسن في المقاهي الفارهة، ويكتفي المتديّن بعتبات المسجد العالية، وممتهنات الجنس تجلب السياح والأجانب، بينما المتديّن ينفّرهم بسوء نظراته ولباسه..وليذكر ما لم يقل .

الموضوع ذو شجون، ولا تكفيه السطور القليلة، ولعلّ لي إليه عودة في مقالة قريبة، لكن دعوني أهمس لكم قائلاً "أنتم تعيشون على عرق ممتهنات الجنس، فلا تعقّوهم، برّوا إليهم بانصافهم، فربّكم أمركم بردّ الإحسان بإحسان" .


  • 8

   نشر في 08 يونيو 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

Heba Hamdy منذ 9 سنة
ساهمن في اقتصاد البلاد!!!هل علينا أن نبيح الزانا لكونهي ساعد في نمو الإقتصاد!!
لأنك نتتتلمس لهم العذر فقد يكون ذاك أمرا انسانيا منك أو رأيك..لكن أن تقبح في المتدينين كلهم لأجل دفاعك عنهن!!لاأعرف سيدي لكن ربما بالغت قليلا في التماسك العذر لهن حدالتشجيع وقدحت في المشايخ والملتزمين بقدرلايليق..تقبل تحياتي
1
نون منذ 9 سنة
رائع ، رغم الخلاف ، أبدعت
0
نون منذ 9 سنة
رائع ، رغم الخلاف ، أبدعت
0
عثمان جمعون
الخلاف لا يُفسد للوّد قضيّة.. مرحباً بك :)
ابو البراء منذ 9 سنة
شكرا لمقالك سيدي.....
فالفكرة التي جائت من اجله اكاد ان ارى نبلها ومغزاها فكم من طريد وشريد وبائعات للهوى اضهدتهم الايام وكسرتهم الاقدار لتهوي بهم الى ما آلوا اليه ولكني اراك قد بالغت قليلا في نهاية مقالك للتشجيع بدلا من التبرير !!
كل الاحترام لك سيدي ودام قلمك
0
عثمان جمعون
شكراً على تعليقك.. مرحباً بك :)

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا