كم انتظرت ان يعود بي الزمان حيث تركني اخر مرة..
و لم أدرك حينها فداحة خيبتي..
في البداية بدا الأمر بالنسبة لي غريبا و فوضويا و غامضا..
و كان مؤلما عندما مللت من انتظاره..
و اصبح قاتلا عندما يئست من رجوعه و اكتشفت بانه لن يعود ابدا..
يجب علي أن اعترف اولا اني قد كنت طفلة مجنونة جدا..و لم يقف احد في وجه جنوني حتى ضعت..
في سن الخامسة.. ضاق علي فستاني المفضل و لم يعد يناسب مقاسي.. و اصررت على اخذه معي في كل مكان و حاولت في كل يوم ان ارتديه و لو بالقوة.. اتذكر جيدا اني كنت اقول لنفسي عندما افشل كل مرة في ارتدائه: لا بأس ساجربه غدا عله يعود كما كان..
و كذلك فعلت مع حذائي المفضل و بنطالي و أشياء اخرى كثيرة.. كنت أرفض ان يمضي الوقت و يأخذ اشيائي التي احبها معه .. و يأخذ فرحتي .. كأني كنت اعرف بان الأشياء التي ستؤخذ مني لن يكون لها بدائل عادلة..
في سن العاشرة خطرت فكرة مجنونة اخرى بذهني ..اردت بنتا صغيرة العب معها فاقنعت نفسي بان لعبتي ستتحول الى انسان بمرور الوقت اذا اطعمتها.. و ما كان مني الا ان ثقبت افواه جميع العابي المحشوة و قمت باعطائها الماء و الحليب في زجاجات الأطفال حتى تضررت جميعها و لم تعد صالحة للعب..
و لم تكن تلك خسارتي الاولى او الاخيرة او الوحيدة..
كبرت..و توالت خسائري.. و لا يسعني الان ان اقوم بحصرها و عدها و تسميتها لانها كانت كثيرة جدا و باهضة.. ثمنها كان عمرا كاملا قضيته في تحملها..لكن المهم في الامر انها كانت اهم بكثير من فستان او دمية .. كانت أصعب من ان تمر.. و اكبر من ان استطيع تجاوزها او تجاهلها.. و كان جهلي و عنادي وقودا يضاعف من حجمها.. حتى بعد ان مرت تحولت اثارها الى ما يشبه الاكتئاب الذي ظللت اعاني منه لوقت طويل جدا..
كنت مجنونة و عنيدة امضي النهار وحيدة في مملكة خيالي الخصب و قلما اتصل بالواقع ..
و كنت غبية و لم اكتشف من تلقاء نفسي ان عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء ابدا..
لم اعرف ان الوقت سوف يمر ،بك و بدونك ..
و انك ان كنت محظوظا بما يكفي ربما تكتشف ذلك بنفسك ،او يخبرك أحدهم بما غاب عن ذهنك..
و ان هذه اللحظة تخصك..
و عليك ان تعيش زمانك الان..
و تستغل لحظتك الان..
و وقتك الان..
و أن الزمان ضيف عابر يمر بك و لا يطيل البقاء عندك..
سرعان ما سيهرول مسرعا و يرحل بعيدا عنك..
و لن يمضي الحياة برفقتك ..
و اذا غادرك ..
لن يعود اليك.
-
كاتبةJournalist, feminist and writer