من رحم الفقر والمعاناة، ومن رحم الجوع حتى الموت أحيانا كثيرة، ولدت كلمات حاولت بها أن أسلط الضوء الضعيف على بقعة ضئيلة من العالم، بقعة يكتوي فيها الملايين يوميا بنيران القحط والفقر والجفاف، أعظم أمنياتهم أن يجدوا لقمة تسد رمقهم وتنقذ أطفالهم، وماءا نظيفا يتجرعونه بعد المعاناة في إيجاد لقمة العيش، إنها أرض لا تنسى وشعب لا يكره، إنها القلب النابض لأفريقيا، إنها دولة مالاوي!

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

في ليلة من ليالي مالاوي، وبالتحديد في مدينة زومبا العاصمة القديمة، كان هناك شاب مسلم من إحدى البلدان العربية، يقطن في أحد البيوت بقرية شانيموالي المتاخمة لأطراف المدينة، كان عائدا بعد يوم عمل طويل في واحدة من عشرات الجمعيات الدعوية هناك، وبعد أن صلى المغرب والعشاء في المسجد القريب، الذي يكاد الوصول إليه مستحيلا إلا لمن يعرفه، خاصة في هذا الظلام الدامس، والطرقات الملتوية، والسرقات، حيث يكثر انقطاع الكهرباء في غالب اليوم، فالبلد تعد من أفقر البلدان قاطبة في أفريقيا، حتى أنها لا تكون مبالغة إذا قلنا أن الفقراء في بلداننا العربية يستطيعون التصدق على فقراء مالاوي.

عاد الشاب إلى البيت المحوط بجدار من الطوب، والذي يعمل إلى حد ما على زيادة الآمان، فبدأ يطرق على الباب الحديدي لتمتد يد لا تُرى من شدة الظلام، فيقوم الشاب بدوره بمناولة المفتاح لصاحب اليد، الذي لم يكن سوى حارس البيت المالاوي، والذي ترسله شركات الحراسة هناك بناء على تعاقدات مع المؤسسات الخيرية لتأمين موظفوها ودعاتها، هذا الحارس الذي كان فيما يبدوا مسلما، فهو يؤذن للصلاة ويرتدي القلنسوة البيضاء الجميلة التي تزيده وسامة تتناسب مع لون بشرته، لكن لا يخطئ الناظر معاناة تظهر في سمات القوم، معاناة تتمثل في صراع حقيقي بمعنى الكلمة، من أجل توفير لقمة العيش، عفوا أقصد الإنسيما!

تعد الإنسيما هي الوجبة الرئيسية واليومية للناس في مالاوي، الفقراء منهم على وجه الخصوص، فهذا ما تلبيه الموارد النادرة التي يحصلون عليها، سواء من أعمالهم البسيطة، أو من المساعدات، وهى تتكون من دقيق الذرة والماء فقط، ويمكن إذا كان الفقير سعيد الحظ أن يتناول بجانبها إداما، يتنوع بحسب قدرته المادية المعدومة غالبا، فتارة يأكلها مع الخضروات كالنيمبا مثلا، أو النباتات التي تشبه السبانخ، أما اللحم فذاك لا يكون إلا من خلال صدقات الأخرين في عيد القربان (الأضحى)، أو العقائق التي يقوم المسلمون في الخارج بتوكيل الجمعيات الخيرية لذبحها لإخواننا هناك.

دور الجمعيات الخيرية في مالاوي:

تستهدف الجمعيات الخيرية بهذه المساعدات وغيرها من المشاريع الخيرية، أن تثبت المسلم على إسلامه، هذا من جهة، وأن تؤلف قلوب غير المسلمين الذين تشملهم المساعدات والصدقات، مما يكون له أثرا بالغا في إيصال رسالة لإخواننا هناك، بأنه يوجد في العالم الإسلامي من يؤازرهم ويهتم لأمرهم، إخوة لكم على بعد آلاف الأميال، لم يروكم إلا عبر القنوات، يتسامعون أخباركم ويتمنون أن يأتي يوم فتزول الحدود والحواجز التي تمنع اللقاء.

لكن لا يكون ذلك إلا بجهد جهيد ومنافسة محمومة مع المنصرين، والمشيعين، والفقر أيضا، فهذه الجمعيات الخيرية رغم ما تبذله من جهد مشكور، إلا أنه يحتاج إلى المزيد من الدعم، سواء كان ماديا عن طريق إرسال التبرعات لهم، أو معنويا بنشر قضيتهم عبر الساحات، أو حتى بالتطوع للعمل معهم فترة من كل عام، وذلك للتعرف عن قرب على نشاطهم الدعوي، والوقوف على واقع تلك البلدان الأفريقية التي شوهت كثيرا في الإعلام المعادي، إما لستر الكنوز المخبأة، فيها أو لحجب المسلمين عن إخوانهم.

تتوالى المشاريع التي تنفذها الجمعيات الخيرية هناك، فمن تغيير وجه البلد بنشر المساجد في الولايات المختلفة، أو بترميمها للحفاظ عليها من عوامل الزمن، إلى المشاريع التنموية التي تهدف لتعليم المسلمين مهنة يقتاتون بها كالخياطة مثلا، مع تدريس حصص دينية أثناء ذلك لمعرفة ما لا يسع المسلم جهله من أمور التوحيد والفقه وغيرها.

هذا بالإضافة إلى المشاريع الدعوية التي تستهدف تثبيت المسلمين على دينهم، سواء كانوا حديثي عهد بإسلام أو من المولودين في نعمته، أو تستهدف غير المسلمين من وثنيين وغيرهم، فعلى سبيل المثال هناك مشروع عبارة عن دورات شرعية لتعليم المهتدين المسلمين الجدد يحظى بإقبال لا بأس به، خاصة مع ترغيب الناس هناك براتب شهري مقابل ما يقضيه من وقت للتعلم، مع توفير وجبة الناسيما و السويق خلال اليوم مما يجعلهم يفرحون ويقبلون على تعلم أحكام الدين كبارا وصغارا، وحتى غير المسلمين يأتون أيضا.

أما عن شعورهم في رمضان فحدث ولا حرج فيكفي أن أصف لك سعادة من رأى وجوههم لحظة الإفطار، والتي لا تفرق فيها الجمعيات بين المسلمين وغير المسلمين فالكل مدعو والكل سعيد، مما يكون له أبلغ الأثر في نشر دعوة الإسلام بتأليف القلوب، والحديث مع غير المسلمين ودعوتهم عن طريق المناظرين المتخصصين.

أحب الشاب المسلم أن يجرب تلك الوجبة التي يأكلها المالاويون يوميا، فطلب من الحارس أن يدخل إلى البيت ويتولى عملية طهي الإنسيما أمامه ليرى بنفسه كيف تصنع، ويشارك الحارس طعامه والذي شرع بسعادة بالغة في تجهيز المطلوب، بعد أن أضاف بعض النباتات التي تشبه السبانخ إلى المأدبة ليزداد التشويق، سعادة غامرة أحاطت بهما في المطبخ الصغير في هذا البيت الواسع، أن تشارك إنسانا في ما يشعر، وتتألم معه إن لزم الأمر.

طريقة طهي الإنسيما في مالاوي:

مكونات صناعة وجبة الإنسيما أو السيما المالاوية:

- 750جم من دقيق الذرة

- 3 كوب ماء

أدوات تحتاجها عن طبخ الإنسيما:

- إناء متوسط

- ملعقة للتقليب ومغرفة خشبية

- إناء به ماء

- طبق للتقديم

طريقة التحضير الإنسيما أو السيما:

- قم بوضع الماء في الإناء وأوقد عليه النار ليدفأ قليلا لمدة ثلاث دقائق

- قم بوضع القليل من دقيق الذرة على الماء على عدة مرات

- قم بتقليب الدقيق باستمرار حتى يذوب جيدا في الماء بحيث لا يتماسك لدرجة لا تسمح له بالغليان، وقم بوضع المزيد من الدقيق إذا شعرت بحاجة القوام إلى المزيد من التماسك الذي لا يمنع الغليان

- استمر في التقليب حتى يقترب الماء من درجة الغليان

- الآن ضع الغطاء على الإناء ثم اتركه يغلي لمدة لا تقل عن أربعة دقائق وهي المدة اللازمة للإنضاج

- بعد ذلك قم بوضع المزيد من الدقيق على دفعات قليلة واستمر في التقليب حتى تصل للتماسك المرغوب، حيث أن بعض الناس يفضلون القوام المتماسك، والبعض يفضلون القوام اللين

- باستعمال المغرفة المقعرة قم بغرف الإنسيما من الإناء بحسب الحاجة في طبق مناسب، ولتجنب التصاق العجين بالمغرفة قم بتمريرها في إناء الماء بعد كل غرفة

- يمكنك تناول عجينة الإنسيما مع أي إضافات أخرى كالسمك أو الخضروات أو أي إدام آخر مفضل لديك، فالإنسيما تمثل الخبز بالنسبة لنا وتشبه طعمه، أما هم فلا يجدونه، بل يأكلون الإنسيما ، فالحمد لله على نعمه

- الآن سم الله وكل، وإن استطعت أن تكمل الوجبة أخبرني في التعليقات.

أما أنا فلم أستطع أن أكمل الإنسيما مع الحارس للأسف الشديد، فقط استطعت أن آكل لقيمات قليلة، خاصة مع تلك العشبة التي ساعدت إلى حد ما على استساغتها، وتركت الباقي له مما أضفى عليه مزيدا من السرور! وربما أخذ الباقي لعائلته.

الفقر سبب في ردة البعض عن الإسلام:

لاحظت عليه لاحقا أنه أصبح يتفوه بأشياء تناقض التوحيد مصدرها أهل الكتاب، فقد قال لي في يوم نزول المطر الذي جاء بعد غياب غير معتاد أن "يسوع يعلم" وأشار إلى السماء!

تحول وجهه المشرق إلى نوع من المكر وكأنه يخفي شيئا، ويتظاهر بالإسلام بعد أن كان مسلما حقا، وما ذاك إلاواحدا من آلاف المسلمين الذين يتعرضون بسبب الفقر لفتنة تغيير الدين، وهذا ما يدعونا للتدبر في سبب استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفر والفقر، فربما أدى الفقر إلى الكفر والعياذ بالله، فهل لكم من دور في تأدية حق هؤلاء عليكم أم أننا سنتركهم لمصير مجهول كانت لنا قدرة على تغييره؟

اقرأ أيضا: عرض كتاب الطويل في غابات الأقزام ( سينشر لاحقا بإذن الله، ويمكنك قراءة الكتاب أيضا)

واجبنا تجاه الفقراء في مالاوي وأفريقيا:

في الأخير هذه قائمة ببعض الجمعيات الخيرية العاملة في أفريقيا ومالاوي، لعلنا نكون سببا في هداية ولو رجل واحدا أو تثبيته على الإسلام، فيكون خيرا لنا من حمر النعم ومن الدنيا وما فيها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1- العون المباشر التبرع للمشاريع

2- العون المباشر استعراض مجالات المشاريع

3- مؤسسة العون الأفريقي دولة مالاوي

4- راف الخيرية

5- عيد الخيرية

6- أنهار الخير

7- إغاثة أفريقيا