شخصيا .. سافرت بالطائرة لمرات عديدة .. و في كل مرة تقلع فيها الطائرة التي اكون على متنها .. اكرر على نفسي نفس السؤال الذي اطرحه عليها كل مرة :
لماذا صعدت !؟ ..
الخوف من ركوب الطائرة لازمني منذ اول يوم ركبت فيها .. حتى اني في الرحلات المتوالية التي تلت رحلتي الاولى كنت لا انام الليل طمعا في ان انام طيلة الرحلة و لا احس لا بالإقلاع و لا بهبوط المدرج .. و ان قدر الله لي ان اموت في حادث طيران ان لا اشهد اللحظات الاخيرة في عمر عشرات الاشخاص الذين يتقاسمون معي نفس المكان ..
الامر جدير فعلا بالتفكر ..
يجب عليك ان تفكر في الامر بمسمياته .. انك تتواجد داخل جسم يطير .. لا تستطيه الهروب منه و قد تتحول رحلتك الى كابوس حقيقي في ثانية اثر خطأ ميكانيكي او خطأ بشري ..
الذي يسافر في الطائرة كثيرا يعلم جيدا معنى المطبات الهوائية .. حيث تصبح الطائرة كلقمة سائغة في يد عملاق كبير اسمه الهواء و المطبات الهوائية .. يقلب الطائرة بمن فيها و التي تزن اطنانا كما يقلب الكاتب القلم في يديه و شخصيا عايشت من المطبات الهوائية ما جعل لون وجهي يتغير الى الاصفر الفاقع. و اني اذكر اني و في رحلة ليلية من باريس الى الدار البيضاء على متن طائرة ايرباص عملاقة .. صادفتنا مطبات هوائية جعلت الطائرة تسقط سقوطا شبه حر مع انقطاع للكهرباء و نزول الاقنعة .. لولا فضل الله ثم حنكة الطيار .. و حينما عادت الاضواء .. كانت الوان وجوه الناس مختلفة الى فاقع لونها لا تسر الناظرين ..
من خلال تجربتي فيها اؤكد ان اكثر سيناريوهات الموت سوداوية هي سيناريو وقوع الطائرة .. حينما توقن انها النهاية .. و تفتنك اصوات من حولك من الركاب و الذين يختلفون في ردود افعالهم تجاه استقبال الموت .. فيختلط الصياح بهيستيريا الضحك بقراءة القرآن بترديد الشهادة بمحاولة اناس الاتصال بذويهم من اجل كلمة اخيرة .. بدون أن نتكلم عن صراخ الأطفال الذي يضفي على المشهد دراما سوداء لا يكاد يخطؤها العقل ..
لا اصعب من انتظار الارتطام و الموت في الطائرة .. و انتظار النسبة المأوية الكبيرة التي يمكن فيها ان تموت هناك لان حوادث الطيران نادرا ما يكون فيها ناجون .. خاصة في الارتطام المباشر بالارض او في البحر و الذي يتحول سطحه الى اسمنت مقوى بفعل كتلة الطائرة المتهاوية و تزايد سرعتها و كتلتها .. حينما تنتظر لحظة الارتطام .. و تمر تلك الثواني كأنها دهور .. و تتساءل في نفسك عن مصيرك الذي يلي موتك مباشرة .. و هل سيكون في استقبالك في الاسفل ملائكة الرحمة فترتاح بعد الم الموت ام ملائكة العذاب فيكتمل الكابوس السوداوي بكابوس اكبر لا تعرف له قرارا .. كل هذه اسئلة تدور في رأسك قبل لحظة الارتطام .. ماذا لو انني لم امت في اللحظة ذاتها و مت غرقا في البحر و انا لا استطيع النجاة .. ماذا لو ان موتي تاخر و تعذبت اكثر .. تبحث في وجوه المضيفات فترى الخوف و الموت .. و قبل هذا تعيش فصول استعداد لملاقاة الموت بكل تفاصيلها داخل حيز يصير ضيقا جدا ، من تساقط الأمتعة فوق رؤوس المضيفين و المضيفات و ارتطامهم بسقف الطائرة و انتشار الدماء .. و الله إنها فتنة عظيمة لا أتمنى لا لنفسي و لا لقرائي الوقوع فيها إلا إذا قدر الله لنا هذا !
نعم السفر بالطائرة من اأمن وسائل السفر .. و لكن حوادثها مخيفة جدا .. و يموت الراكب فيها الف مرة قبل الميتةالحقيقية ..
ولأن اي راكب للطائرة يوقن في قرارة نفسه ان حادثة الطائرة لا تحدث الا للاخرين .. فلا يحمل هما و لا يفكر مجرد التفكير في كونه سيكون احد الضحايا
رحم الله ضحايا الطائرة المصرية ..
م.ي.
-
يعقوب مهدياشتغل في مجال نُظم المعلومات .. و اعشق التصوير و الكتابة
التعليقات
وكلما رغب احد من معارفي السفر عبرها ، اطرح عليه سؤالي بعفوية :
تخيل لو ان الطائرة تسقط بك !!