فنّ التطعيم في القصيدة المعاصرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

فنّ التطعيم في القصيدة المعاصرة

  نشر في 20 يوليوز 2016 .


التوظيف من أهم العناصر الفنية في الشعر ، و من أهم الادوات التي يعتمدها الشاعر في تعظيم طاقات لغته و دلالاتها و ايحاءاتها . و للتوظيف الفني اشكالا كثيرة و منها تطعيم القاموس النصي بمفردات مجانبة و متباعدة عن الحقول المعنوية للنص . حيث انّ كل نص يفرض شخصيته على المؤلف و بعملية الانثيال يجعل المؤلف ينساق الى حقل معنوي معين و حقول معنوية متقاربة ، فيكون القاموس النصي اي المفردات التي تكون النص متقاربة في حقولها المعنوية ، لكن حينما يعمد المؤلف الى كسر هذا الطوق و هذا الانثيال عمدا و بوعي تظهر لدينا ظاهرة ( التطعيم ) في المفردات النصية .

هنا ثلاثة نماذج للتطعيم القاموسي متمثلة بثلاث قصائد نثر : قصيدة ( اوطان حافية )بقلم فريد غانم يطغى على النص ّ التطعيم بالمفردات السريالية و الثقافية ، و ( نبيذُ الحروبِ الغائمة ) بقلم كريم عبد الله يطغى عليها التطعيم باللمفردات اليومية و الحياتية ، و قصيدة ( زمن الصفر ) بقلم صادم غازي يطغى عليها التطعيم بالمفردات الاغترابية و التعبيرية الذاتية .

أوطانٌ حافِية

فريد غانم

فوقَ الأرصفةِ المرصوفةِ بالنّعال والغبارِ المحروق، في الزّحام المِزدحمِ بالوَحدة والضّياع والسُّخام، ما يزالُ الملكُ يتبخترُ عاريًا.

وها هو يأتي بعُرْيِهِ المنسوجِ من الحرير والدّيباجِ والقُطنِ السّماويّ وريشِ النّعام، يأتي من جبالِ الثّلجِ والقسوةِ النّاصعة، من المروجِ المزروعةِ بالخيولِ اللانهائية، من البحارِ التي ما زالت تلعق شفةَ الأرض، من المراكبِ التي تتمسّك بفساتينِ الرّيح يأتي. من الأتربة المُشبعةِ بالمعادنِ ورُفاتِ العيون البرّاقة، من عظامِ الموتى والأسنان المنخورة، من لهبِ البراكين المُرجأة، من حبرِ الآلهةِ المهدورِ على دخان المصانع، من دفاتر الأنبياءِ التي مزّقها الأولياءُ بخناجرِهم. من اصطكاك الصوّان بالصوّان يأتي. من عرقِ العبيدِ والمحاريثِ اليدويّة، من الأرديّة الكُحليّة، من عاج الفيلةِ وقرنِ الكركدنِّ وحساءِ السّلاحف قليلة الكلامِ يأتي. ويأتي من دموعِ الحيتان الصّغيرة، من حدائق الكافيار الرّضيع، والجزمات المصنوعة من غُرّةِ نمرٍ سيبيريّ، ومن أجداثِ غابات الأمازون.

وما زالَ يأتي من الخزائن المصنوعة من لحمِ الفقراء، من الألعابِ النّاريّة التي تتفجّرُ من دموعِ الثّكالى، من الحكاياتِ التي تتناسلُ على الأنصالِ وثغور القادفات، يأتي بعُرْيِهِ الكاملِ المكسوِّ بالعُريِ الكاملِ، ويمشي فوق الأرصفةِ المرصوفةِ بالعمى والعتم.

يأتي بأقنعةٍ مجدولةٍ بالوهم المُلوّن بألوان الجهل السَّبعين، يدوسُ على دُميةٍ فقدَت طفلَها وجديلةٍ فقدَت نسيمَها، ويمشي وسط الزّحامِ الخاوي، فتصفّق له محاصيلُ الرّاحاتِ الفارغة فوقَ ما تبقّى من ساحات الأوطانٍ الحافية.

نلاحظ الحضور القوي و المركزي لمفردات مباينة للقاموس النصي ( القطن الساموي ، جبال الثلج ، الخيول اللانهائية ، ، حبر الالهة ، دفاتر الانبياء ، قرن الكركدن ، الكافيار الرضيع ، نمر سيبيري ، غابات الامازون ، الاوطان الحافية ) فنجد هنا مفردات فوقية و سريالية و ثقافية وُظفت في النص و اعطت زخما دلاليا وجه البعد الدلالي لمفردات النص ككل .

نبيذُ الحروبِ الغائمة

كريم عبد الله

أسكريني حدَّ التماهي في نبيذِكِ الطافح رعشةً تتجمّهرُ حولَ زوارقِ الوحشةِ ........../ وتسرّبي منْ حكاياتِ الحروبِ الغائمةِ التي عكّرتْ قدومَ أفراحنا ........./ عمّدي مدنَ الشمسِ بــبقيّةِ الأمانِ المتلألىءِ في الطرقاتِ البعيدةِ حينَ ينخرها قلقَ الأحتضار ......................../ وطهّري الشوارعَ الهاربةِ منَ ( الهاوناتِ ) العشوائيةِ التي تتسلّلُ الى أقفاصَ الفصول ..........!

لـلآن أخيطُ ثقوبَ جثث مسلاّتي النازفةِ سنابلَ تغاريدٍ لا تنضجُ في زمنِ الشهوةِ ....../ أتحاشى الهراواتِ المبطّنةِ أناشيداً عاقرةً تدّعي المغفرةِ ............./ وأشتلُ أنّاتَ الفراشاتِ في رمادِ القبحِ تتدفّقُ شهداً وطِيبةً ..............................

ما لـوجهكِ شاحباً تعصرهُ ( خلّاطاتُ ) المنافي يشربهُ المدجّجونَ بـالسيوفِ ..................../ وعلى جسدكِ العاري تنقسمُ المآذنُ الراقدةِ على بيوضِ النفاقِ تلوّحُ لـلأمس ......................../ و مصيرنا معلّقٌ كــــــــــ ( جسرِ الجمهوريةِ )* حينَ هوى مخذولاً شاهداً كيفَ تتساقطُ الخيبات ............. !

وحدكِ منسيّةٌ وأيد كثيرة تتزاحمُ على أبوابكِ تحشُّ عرائشَ العنبِ مِنْ على غيماتكِ ....................../ و القلنسوات الصدئة عادتْ تنزرعُ مِنْ جديدٍ تنطبعُ في لغةِ الخراب ...................../ وأنتِ تمطرينَ تنهداتٍ تلهثُ مرعوبةً في هذا المدى المزكومَ بـصهيلِ الحرائق .......................... !

حاصرتْ حدقاتكِ الهاوية وغرقتْ بـالدموعِ حتى القناطر البعيدة .........../ كلٌّ يدلو دلوهُ يرسمُ أقاليماً مطعونةً في خاصرةِ عرشكِ .........../ والقرابين تنتظمُ متراصةً تنتظرُ دورها في الطبِّ العدلي مكتومة الرغبات ......................................!

فنجد مركزية لمفردات تجانب القاموس النصي مثل ( العاونات ، ثقوب ، الهراوات ، خلاطات ، جسر الجمهورية ، الطب العدلي ) تلك المفردات اليومية و الحياتية و التي تختلف في مستواها الانتقائي عن قاموس النصي عالي الانتقاء ، لقد وظفت هذه المفردات لأجل ابعاد رمزية واضحة .

الزمن صفر

صدام غازي

عند أول الشفق . حين جلست الشمس خلف تلك التلة , تمشط شعرها . لم نكن عندها وليدي الصدفة , لكنا ألتقينا في الزمن صفر . ليس كل شيء واضح المعالم , ولا كل الافق معتم كأعمى يلبس نظارة سوداء . لم نلتق على ذلك القمر النحاسي كما قلنا , ولم ننكث بوعدنا حين رحلنا حاملين صرة خيبة الأمل , مع القليل من قوت ذكرياتنا . ففي الزمن صفر تتغير الاحداث , فزمن القصيدة تخط على صفحة الريح . زمن عناق الارواح للأرواح في زمن هجر أهل التناسخ أرواحهم . زمن خيانتي مع قصيدة تحمل ملامحك . زمن التمني بليلة أغفاءة من أجل عين الحلم .

الزمن الصفري فيه المدى يده تسكن الصدى . التوقيت بعدد ذرات الرمل . الشمس تجلس خلف تلك التلة . السكون يركب ظهرالخفافيش ويقتل الحركة . في الزمن الصفر لا تعدي الايام . هكذا ولدنا لا نعد ولا نحصي , في بداية أول الغسق عند بداية التوقيت صفر .

فنجد حضورا لمفردات خاصة و ذاتية مغايرة و مجانبة للقاموس النصي مثل ( التقينا في الزمن صفر ، اعمى يلبس نظارة سوداء ، القمر النحاسي ، صرة خيبة الامل ، قوت ذكرياتنا ، اهل التناسخ ، زمن خيانتي ، الزمن الصفري ، ظهر الخفافيش ، التوقيت صفر ) . تلك المفردات التي تمتاز بالاغترابية و بالذاتية التعبيرية كانت محورية و وجهت دلالات النص بعيدا عن حقول قاموسه النصي .


  • 2

   نشر في 20 يوليوز 2016 .

التعليقات

لميا عباس منذ 8 سنة
نص ثري نحصل نحن فيه على التطعيم...أشكرك
0
لميا عباس منذ 8 سنة
نص ثري نحصل نحن فيه على التطعيم...أشكرك
1
د. انور غني الموسوي
شكرا لك اختنا لميا عباس

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا