وردت رسالة اليتيمة في مصنف (جمهرة رسائل العرب)، وهي نثر سياسي دل مضمونه على معرفة ابن المقفع بأمور الحكم، واعتماده على العقل أكثر من الدين في استنباطها.

      ابرزت الناحية الشكلية للرسالة اغلب سمات الكتابة في العصر العباسي، منها: التكرار، والسهولة والوضوح في استخدام المعاني وتركيبها. ولقد تم صياغة النصائح بالطريقة التقليدية الكلاسيكية، واتسمت بترتيب الأفكار واتساقها، والدقة في الوصف والتعمق، واتباع أسلوب الايجاز والاطناب، والتقليل من الزخرفة اللفظية، فوزنت الالفاظ، حتى خلت من الزيادة او النقصان اللذان قد يخلان من المعنى.

     استهلت الرسالة بوصف ما صار عليه أغلب الناس من التكلف، والحسد، والخيانة في القول والعمل، وذكرت الصفات الواجب توفرها في الواعظ والموعوظ، فالأول عليه بالصدق والاصابة في موضع الرأي ومقصده، والرزق بالقبول، اما الثاني فعليه تحري الرياء، وإعانة الخير، والفطنة بما يسمع.

     وأشارت إلى رأي ابن المقفع في أهل زمانه، من والي ومولى، حيث قسم الزمان إلى أربعة اقسام؛ الأول، ما أجتمع فيه صلاح الراعي والرعية، والذي يتم بانتصاب الحقوق والواجبات بينهما، يليه الزمن الذي يصلح فيه الامام ويفسد الناس، ومن ثم الزمن الذي يتحقق فيه صلاح الناس وفساد الوالي، وهو زمن أشد من سابقه لأنه من استطاعة الوالي أن يصلح الرعية، بينما الاخيرة لا تستطيع ذلك لما يملكه الوالي من سلطان، أما الزمن الرابع فهو من يجتمع فيه فساد الوالي والرعية. ويقدم رأيه عن أهل هذا الزمان، والذي ليس "بالخير ولا بالشر"، بأنه تصلح فيه الرعية بصلاح الوالي، ولا يفسد هو بفسادهم، لما له من ثبات وعصمة مستدلًا على ما يملك من عبر وبيانات، فيسعى دومًا لإصلاح الرعية والصبر عليهم. ثم يحمد امير المؤمنين مما يتذكره-طالباً تدبره بالحق والعدل-بأصله وسيرته فهو أعظم الناس منزلة وأكرمهم لرجوع نسبه للرسول ﷺ، والمرجح أن المعني كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور المعاصر له، والذي ايضاً قدم له النصح في (رسالة الصحابة).