رجل الفزاعة الهندي
ستدرك حتما أن حياة ذات معنى خير من عيشك على هامشها
نشر في 22 فبراير 2016 .
في إحدى مزارع العنب التي زرتها في منطقة مَدْراسْ المعروفة باسم تشيناي ذات الأراضي الزراعية المليئة بأنواع الخضرة والفاكهة والقرى الفقيرة، إلتقطت هذه الصورة على طبيعتها العفوية عندما لاحظت بوجود هذا الرجل الهندي المُسِنْ يتجول بمفرده داخل المزرعة، إذا توقف استند على عمود خشبي، يمسك بيده قارورة ماء كبيرة وفارغة، فهو لا يبدو عليه سائح أو زائر ولا حتى موظف أو مزارع بل هو من أهل البلد بلبسه التقليدي المتسخ لشدة فقره.
عند سؤالي عنه تفاجأت أنه الرجل الفزاعة الهندي الذي يقف طوال اليوم على التربة وتحت إكليل العنب المعلق فوق رأسه مراقبا الطيور المتطفلة لإخافتها وضربها إن أمكن مستخدما قارورة الماء كسلاح في يده، مستغلا شكله المرعب كبديل عن رجل القش المزيف، أما بالنسبة للقارورة ففي داخلها بعض الحصى وقليل من التربة يقوم برجها فتصدر صوتا تنفر منه الطيور عند ملاحقته لها، أحياناً يقوم بضربها إن لم تمتنع عن محصول العنب، لذلك السبب القارورة كبيرة الحجم وشبه فارغة كي تكون خفيفة الوزن، سهلة الرفع لا تتعب حاملها.
قيل لي أن وظيفة فزاع المزارع الهندية لها مواصفات خاصة مرتبطة بالشخص نفسه، أولها يجب أن يكون المتقدم لها مواطن طويل الإقامة، وقصير القامة لا يصل رأسه إلى العنب المعلق حتى لا يضطر أن يحني ظهره، في حين قصر القامة تساعده على رفع رأسه لمشاهدة ما يحوم في السماء وما يحدث فوق إكليل العنب، أيضا لا بد أن يتحلى بالصبر، تجد هذه الخصلة في كبار السن، عادة هؤلاء يقع عليهم الإختيار لأنهم ليست لديهم هواية نافعة أو فائدة مرجوة من حياتهم.
لقد ذُهلت عندما وجدت فقراء طاعنين في السن يجلسون على الطرقات الخربة مفترشين قطعة من الأرض بلا عمل ولا مأوى كأن على رؤوسهم الطير ينتظرون الموت ضيفا ينجيهم !!، وهم على هذه الحالة أشبه برجال القش إلاّ أنهم خارج المزارع، بنيتهم من لحم وعظم، بينما تجد آخرين لأجل المال وقضاء وقت الفراغ يأتي رضاهم على مهنة الفزاعة، لا شك أن الكثير منهم من يمتهن تلك الوظيفة منتشرين داخل المزارع التي تُقبِل عليها الطيور المزعجة ولعل في وجودها حكمة، فسبحان مقسم الأرزاق.
من ناحية أخرى، لا أستبعد وجود نساء فزاعات في ظل عيشة الفقر هذه، يقومون بنفس العمل الشاق متحملين مخاطر ارتفاع درجة حرارة الجسم، والحشرات ودواب الأرض وهوامها، بالإضافة إلى ظلم صاحب المزرعة، ناهيك عن الراتب البخس الذي لا يساوي في العين شيئا.
تجد رجل الفزاعة الآدمي يعمل بجد حتى يقضي ما تبقى من عمره، ولا يعيش زائدا على الحياة المظلمة، العمل بالنسبة له ولغيره وإن كان حقيرا خير من رجل مزيف مصنوع من القش ممدود الذراعين مستسلما لا تهابه الطيور، ينتظر واقفا لحظة إستبداله.
عندها ستدرك حتما أن حياة ذات معنى خير من عيشك على هامشها.
-
FAISAL ALMULLAمهتم في الاقتصاد ومحب للتفكير الناقد والإدارة