تأملات في المحنة والابتلاء
نشر في 07 ديسمبر 2016 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
- بين يدي التأمل :
حين قرأت عن بعض مشاهد الحساب بدءا من طول الانتظار ، حتى لحظتي الانتصار أو الانكسار وما بينهما من أهوال ومواقف
تتحطم من شدتها الجبال الصلدة وتخرج القلوب الصامدة من أحشائها رهبة وخوفا ، وتفشل الأرجل المفتولة العضلات على حمل أجسادها المثخنة بكل ألوان الخوف والوجل ..
أمام هذه المشاهد فهمت معنى محنة الابتلاء في الدنيا.
إن ماء الابتلاء لا مفر من شربه ، وسهمه لا منجاة من وصوله ، قد تختلف درجات وقعه لكن لا يمنع وقوعه ، ويتساوى فيه المؤمن وغير المؤمن الغني والفقير ، الصالح والطالح ، الحاكم والمحكوم ، الرسل والانبياء ،فحصوله ووقوعه في حياة البشر شئ حتمي، جوهره واحد وصوره متعددة ما بين ابتلاء في المال أو في الأهل أو في الولد أو في الصحة أو المكانة أو في العمل أو الفهم أو في المعتقد أو في المحيط والمجتمع أو ... أو ...
- وَيْل التأويل :
ان الخطير في الامر هو سوء فهم هذه المحنة اوتأويلها أحيانا بما هو مخالف لحقيقة وجودها ،وغاية حدوتها .فهناك من يصف ابتلاءه بسوء الحظ وآخر بقلة( البخث) ،وغيره (بالعكوىسات) ،بل قد يذهب المرء ابعد من ذلك في مساءلة خالقه ( لماذا يا رب يقع لي ما يقع دون بقية البشر ؟؟؟) وان وصل المرء إلى هذا المقام فما بقي دونه إلا الكفر والعياذ بالله ، لان الله يسأل ولا يُسأل عما يفعل.
واعتقد أن السبب، في هذه التبريرات والمساءلة، يعود إما لضعف في الفهم اوقصور في التأمل او خلل في العقيدة او هذه الاشياء جميعها ، في حين أن التفسير بين وواضح لا يغيب عن من له فطرة سليمة وحسن ظن بان الله لا يفعل إلا ما فيه خير، مع يقين تام بحكمة الله وعدله وشمولية رحمته .
- الى مَعْبرالعِبر:
اعتقد أن الدروس التي يجب استخلاصها من الابتلاءات التي تصيب المرء على اختلاف أشكالها ودرجاتها هي :
١- أن الابتلاء كفارة ومغفرة وتطهير للعبد من ذنوب ومعاص ارتكبت في غفلة .
٢- أنها رصيد يحول إلى حسنات ودرجات يرفع بها مقام العبد المحتسب أمره لله
٣- أنها مظهر من مظاهر قوة الخالق وقدرته الغالبة وحكمته البليغة في تدبير شؤون خلقه وعباده الموصوفين بالنقص والقصور والضعف ،والحاجة الدائمة إلى العون الرباني من خلال كثرة الدعاء والتضرع.
٤- أن في الابتلاء رسالة إخبارية وانذارية لما سيعيشه كل فرد مكلف يوم حسابه ومساءلته، وما سيراه من أهوال ومصاعب يعجز اللسان عن وصف مشاهدها، بل لا تشكل سوى ذرة مما ابتلي به العبد في الدنيا ، ولهذا فحين يحس الإنسان بضيق شديد نتيجة ابتلاء قدر عليه في الدنيا فليتأمل كيف سيكون حاله حين ينتظر لحظة المساءلة والحساب ولحظةالعبور فوق صراط أرق من الشعرة، وأحد من السيف ،وتحته ألسنة من نيران جهنم.. والمرء يحاول العبور وذنوبه حسب حجمها لا تفارقه بل تتقل حركته وسيره إن كثرت، أو يمر سالما غانما إن خفت ..
إن الحي العاقل المبتلى يقيس الحاضر والشاهد بالغائب ، فتبدو له محنه الدنوية أهون وأيسر وارق مما قد يرى من هول حساب الآخرة ، نسأل الله السلامة واللطف لجميع المؤمنين ، ونتضرع له ان يخلصنا من ذنوبنا برحمته وكرمه ، انه موقف من شدة هوله يقف الرسول عليه الصلاة والسلام شاهدا عبور المؤمنين من امته، وكله خوف ودعاء وتضرع قائلا ( اللهم سلم ، اللهم سلم ).
٥- العبرة الأخيرة من وقوع الابتلاء انه يربي فينا ثقافة المقاومة لا الاستسلام تقافة الصبر لا البكاء و التذمر، وهذه هي خاصية المؤمن الحقيقي التي قد تثير العجب والاستغراب عند غيرالمؤمنين، ولذلك قال الرسول ( عجب أمر المؤمن كله خير إن أصابه خير شكر وأن أصابه شر صبر ) بمعنى ان هويته الإيمانية تجعله يقبل المنحة والمحنة معا ولا يعترض لانه يعرف ان الدنيا دار ابتلاء وامتحان والآخرة دار جزاء .
- سفينة النجاة:
فلهذا لا بد ان نقوي في نفوسنا تقافة الصبر والاحتساب ،وثقافة الأمل والعمل .. لان الحياة ليست كلها أقراح وآلام بل فيها محطات مفرحة ومشرقة تدفع المرء إلى عيشها والسعي اليها والتمتع حلالا بملذاتها، على أساس تعمير الأرض بالصلاح والفلاح ، وبالتالي يضاف كل رقم عمل من اعمال الخير إلى رصيد الحسنات التي يستجمعها المرء ويودعها بنك آخرته ليسعد في النهاية بحجم وكم معاملاته .
وان يعلم الله في نفوس عباده خيرا يوتيهم خيرا، و يضاعف العمل والحسنات لمن يشاء بغير حساب .
كما نسأله بقدرته ولطفه ان يعافينا مما ابتلي به غيرنا وخاصة ما تعلق بالابتلاء في الدين والعقيدة
التعليقات
لذلك يبتليه ويمطر عليه المحن !!
....
دام قلمك ي أستاذ محمد .