موطئ قدم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

موطئ قدم

موطئ قدم

  نشر في 22 يوليوز 2021 .

موطئ قدم

هل يجانبنا الصواب لو قلنا أن العالم اليوم يسير بوتيرة بعيدة عن القياس

والتنبؤ؟

هل باتت النظريات والاستراتيجيات السابقة مهما كان عمرها أصبحت تفسر عالم اليوم والغد؟

هل تخضع الأحداث والتغييرات الاقتصادية والثقافية والإنسانية عامة لتلك النظريات التي تحتضنها ملايين الكتب حول العالم وعبر التاريخ الإنساني الممتد منذ تكون المجتمعات البشرية وحتى اليوم ؟

هل حان الوقت فعلا لينتقل البشر لحقبة تاريخية جديدة تعتمد عل تنبؤات مستقبلية وتحليلات تنظر للغد بعيون أكبر ؟

هل أصبح العقل الجمعي وسلوك القطيع هو البديل لكل تلك الفلسفات والنظريات التي أمضت الثقافة البشرية مئات العقود تقدسها وتنظر إليها بعين الاحترام والانقياد , هل ستضمحل نظريات الأخلاق وعلاقاتنا بالدين واحترامنا لقدسية الأسرة والعلاقات المجتمعية لتحل محلها سلوكيات العقل الجمعي حتى لو دمر سلوك القطيع أدق تفاصيلها المقدسة والمتوارثة , هل بات التاريخ متهيئا لطي تلك الصفحات القديمة من كل ما علق بثقافتنا عن الإنسان والمجتمع والمستقبل لتشكله الأيادي الخفية لقادة القطيع ؟

هناك الكثير من التساؤلات التي تفرض نفسها على من يحاول النظر للغد بناء على ما يراه اليوم وما يعرفه عن الأمس , فالأخلاق المجتمعية والاقتصاد والسياسة والمسلمات الثقافية أصبحت تتخذ ميولا بعيدا عن الكثير من النظريات والفلسفات التي توارثها الناس ولو بشكل خفي .

(ربما) في خلال الخمسين سنة الماضية تجاوزت الكثير من المجتمعات النظريات الأخلاقية والاقتصادية والسياسية , وكلما مر الوقت بهتت تلك النظريات والفلسفات وابتلعها العقل الجمعي بقيادة قادة القطيع , فمثلا أي نظريات اقتصادية مقدسة يمكن للصين أن تتبعها في ثورتها الاقتصادية التي اجتاحت ومازالت تجتاح العالم ؟

ففي أقل من سبعين عاما خرجت الصين من اقتصاد مريض تسبب بموت من 10 إلى 40 مليون إنسان إلى اقتصاد اكتسح العالم بشكل لا يصدق .

الصين لم تأخذ نظريات أدم سميث و دور كايم في التخصص وتقسيم العمل والتي نقلت أوربا من اقتصاد بطيء لاقتصاد سريع النمو , فأدم سميث غير نظرة الغرب من تقديس الطبيعة إلى تقديس العمل , فالطبيعة حبلى بالمعادن والزراعة ولكنها تحتاج لعمل الإنسان لتساهم في رفع مستواه المعيشي , لقد مرت 230 عاما منذ وضع ادم سميث نظريته في تقسيم العمل وما يؤدي إليه من تناسق واتقان وتكامل العمل الجماعي والبراعة فيه , وحتى ظهور الزلزال الصناعي الصيني , فهل تأثر الصينيون بتلك النظرية ولم يفطنوا إليها إلا قبل 70 عاما ؟

إن ما يقوم به الصينيون اليوم في مصانعهم وورشهم هو بالضبط ما وصفه أدم سميث عن مصنع الدبابيس قبل 230 سنة , فكيف استطاع الصينيون قلب الموازين الصناعية بينهم وبين الغرب وأصبحت منجاتهم بكل أنواعها لا يكاد يخلو منها بيت على سطح الكرة الأرضية ؟

ربما لم يلتفت الصينيون لنظرية أدم سميث ولكنهم استثمروا سقطاتهم المدمرة كما فعل اليابانيون ليصروا على مجابهة الخسارة ومقاومة السقوط والنهوض في كل مرة , وليس أمام أكثر من مليار إنسان إلا الحياة أو الموت جوعا , وفي أل 40 سنة الماضية قررت الصين خلق سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية فتحت طرق التجارة والسماح بالاستثمارات مما قلص اعداد الفقراء كثيرا , لم تمنع الكوارث التي سببها الحزب الشيوعي طويلا الصين من النهوض رغم ذلك كالعنقاء من رماد الجوع والفقر والطبقية , فبمجرد فتح الاستثمارات وتدفق الأموال , والاستفادة من العمالة الرخيصة والايجارات المنخفضة , تولدت أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ , وأصبحت الصين (ورشة العالم) .

لقد أخرجت تلك القفزة أكثر من 850 مليون صيني من دائرة الفقر !

نحن نعلم أن سكان العالم العربي ما يقارب (360) مليون إنسان , أي أن الصين أخرجت ضعف عدد العرب من دائرة الفقر خلال العشرين سنة الماضية !!!

وما زالت الصين تصدر للعرب كل شيء حتى ملابسهم الداخلية !!!

الخلاصة أن العالم اليوم وغدا لن يحتاج للرجوع للكتب والمراجع لدراسة النظريات والآراء الفلسفية والخطط الموضوعة من الحكماء قبل عشرات السنين لينهض باقتصاده ومجتمعه ليحارب الفقر والبطالة , بل يعتمد على التعليم الموجه وبناء الإنسان , ويستمد خططه للبناء من واقع احتياجه وامكانيات ومحاولة تطويرها وفتح الاستثمارات الدولية , وحث الجميع على الإنتاج وخلق الفرص الممكنة لمساعدتهم في هذا ,

فما الفائدة من تقسيم العمل إذا لم يوجد عمل أصلا , وما فائدة التخصص إذا فُقد التدريب وتنمية المهارات وتطوير الذات , وخلق الأجواء للإبداع والابتكار وتبادل الكفاءات .

التاريخ لا يرجع للوراء , فما هي الفرص المتاحة لعالمنا العربي في ظل هذا البركان الإنتاجي المتفجر من الصين وكوريا واليابان , ناهيك عن الغرب وروسيا والهند وباكستان , هل ثمة موطئ قدم مازال ممكنا لنا ؟ 



   نشر في 22 يوليوز 2021 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا