ماذا فعل ناصر عبد المنعم بسيد الوقت؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ماذا فعل ناصر عبد المنعم بسيد الوقت؟

  نشر في 16 شتنبر 2015 .

أعتقد أن الكثير من النقاد سيقفون بالشرح والتحليل لنص عرض ( سيد الوقت) الذي يقدمه مسرج الغد , عن النص المسرحي ( ليلة السهروردي الأخيرة) لفريد أبي سعدة . من إخراج ناصر عبد المنعم وإعداده أيضا . وإن كنت لا اتفق مع وصف الإعداد هذا . خاصة أن المأخوذ عنه في الأصل نصا مسرحيا.

سيتوقفون عند نص العرض الذي يتحمل المسئولية الأولى عنه المخرج سواء كانت سلبا أو إيجابا. وسيقولون أن الكلمة التي يحتويها نص العرض هي رسالة موجهة للواقع المصري/العربي /الإسلامي الذي نعيشه حاليا .

فهو يتعرض للقداسة التي أضافها بعض مؤرخي السلطة على الشخصيات التاريخية كانت أو معاصرة . وأن هذا البطل صلاح الدين الذي يتغنى الكثيرون به كبطل قومي . ماهو في الواقع إلا ساعيا لبناء دولة يتوارثها الأبناء من بعده , وليس أدل على هذا من توريث الدولة بعد ذلك لولديه. وكيف أنه أي صلاح الدين أصدر حكما بالإعدام على شهاب الدين السهر وردي . لمجرد أن شهاب الدين أتى بالمخالف للشائع . ووقف ضده بعض العلماء المتحجرون الذين يعتقدون أن الدين هو ما خرج من أفواههم فقط ووصفوه بفساد المعتقد . خاصة حينما قال أن الله من الممكن أن يأتي بنبي جديد. بما فسره البعض تشكيكا بأن محمدا (صلعم) هو آخر الرسل والنبيين.

وهو أي ناصر عبد المنعم بالتأكيد على هذا فأنه لا يتعرض فقط لمن يوقفون الدين عند رأيهم . ولكنه يمتد أيضا ليطال بعض الشخصيات التي يريد البعض أن يضيف إليها بعضا من قداسة الآن.

وربما سيقول البعض أيضا أن هناك بعض الإطالة خاصة في نهاية العرض . وأن نص العرض افتقر بأحيان كثيرة للحدث لأنه كان معتمدا على شعر غنائي في أغلبه حتى وإن وصف هذا الشعر بالمسرح. وأن المواجهة أو الصراع انحصر تقريبا في مواجهة السهروردي للعلماء ومواجهته الأخيرة مع الأمير . وأن التأكيد من السهروردي لتابعه الأمير على انه له بمثابة الخضر لموسى لا كما موسى وهارون . به بعض الشطط . فهو إن كان نزع صفة النبوة أو التشبه بها . إلا انه يضع نفسه في مجال من أوتي بما ليس للآخرين به علما حتى لو كانوا أنبياء . أي أنه يضع نفسه فوق النبي .

وسيرجع البعض ذلك لأن السهروردي متصوفا وربما سيتعرضون لفلسفة أو حكمة الإشراق التي مازال لها صدى في الهند وإيران وباكستان .. الخ.

ولكني سأتطرق للمستوى الثاني من التأويل المتكيء على ثقافة ناصر عبد المنعم ووجهة نظره في الحياة ككل وما تمر به البلدان الإسلامية الآن . سواء كان هذا المتكأ مقصودا بذات ووعي المخرج . أو جاء نتيجة وعي كامن بالمشكلة وجد له تخريجا من خلال العرض كله وليس النص فقط.

فأنا أعتقد أن الأسلوب الإخراجي واختيار عناصر الإخراج المساعدة وقبلها الأغاني والرقصات التعبيرية , كانت ماثلة في مخيلة ناصر وهو يقوم بإعادة كتابة نص أبو سعدة , ليتواءم مع وجهة نظره . فهو لا يقدم نصا يعالج فترة ماضية فقط . وتأكيدا على هذا أدخل لوران الراوي العرض من بدايته وهو يحمل رقعتين مكتوب عليها اسمي فرج فودة ونصر حامد أبو زيد . ضحايا الفكر المختلف عن جمود البعض . رابطا بينهما وبين السهروردي من جهة / وبين رؤياه العامة التي سنتحدث عنها من جهة أخرى.

فهو بتناوله لنص العرض أكد جيدا على محاولته لنزع القدسية عن الشخصيات التاريخية والآنية .

ولكن معالجته لنص العرض من خلال الإضافة عليه خاصة بالأغاني والرقصات يرد على مقولات قادة الجمود والفكر الإرهابي .

وعلى الرغم من أن العرض يقدم في مصر بمبدعين مصريين ويحاول فيه المخرج أن يناقش قضية مصرية عامة . إلا أن الهم السوري تغلغل في خطابه , ولا أبالغ إن هذا الهم كان شاغله وهو يقوم بالتصور الأولى للعرض شكلا وكتابة.

فزمان العرض كان في حلب بسوريا . واستعانته بأشعار السهروردي طبيعية ولامجال فيها لتأويل . ولكن ان تتم الاستعانة أيضا بأشعار ابن الفارض . فأعتقد أن هذا الأمر لم يأت اعتباطا , وليس اعتمادا على كونه سلطان العاشقين فقط . بل لأن بأشعاره فلسفة تتصل بما يسمى بوحدة الوجود . وهي فلسفة لها جذورها عند الإغريق والكثير من الحضارات القديمة والبوذية .. الخ .. كما أن فلسفة السهروردي نفسه يعتبرها البعض تجميعا لكل الفلسفات والنظريات الدينية القديمة سواء عند الوثنيين أو أصحاب الرسالات , هذا من جهة

ومن جهة أخرى فإن الأغاني التي اعتمد فيها على ابن الفارض كانت في مجملها تعليقا أو تمهيدا لمحنة السهروردي . وربما تكون هذه إشارة لأحداث الثمانينات في سوريا حينما قامت جماعة دينية بإعلان الثورة وكانت قصائد ابن الفارض تغنى في هذه الأحداث ، وكانت حلب نفسها مسرحا للكثير من الأحداث المؤسفة .: وهنا كان تطويع الأداء الديني لابن الفارض ليس من جانب السلطة وإنما للطامعين فيها باسم الدين .

وربما إشارة أخرى أن للتوجه الديني أشكاله المختلفة فمن المعروف أن ابن الفارض كانت له جواري يذهب إليهن ويعزفن وهو يرقص توحدا ووجدا وينشد أيضا . وإن كنت أعتقد أن هذه الجدلية على المستوى الثاني للتلقي كانت ستكون أكثر إمتاعا وجدوى لو كانت هناك كلمات للحلاج . حيث سيكون هناك التزاوج الفعلي بين المتصوف والثائر والمطالب بحقوق الناس عامة وليس حق الاختلاف المذهبي فقط .

ثم كان هناك الرقص المولوي . والرقص المولوي ليس اتجاها جماليا فقط . فمن المعروف أن من أنشأه هو مولانا جلال الدين ابن الرومي , وهذا الرقص هو تعبير عن اتجاهه الفلسفي . وصحيح أن اتجاهه الفلسفي والفني بدأ في تركيا . لكن كانت له زيارات كثيرة لسوريا وخاصة لحلب . وتعتبر حلب واحدة من معاقل المولوية . كما أن المولوية كفلسفة أو اتجاه ديني تدعو للتسامح والتعايش مع كل الأجناس والأديان الأخرى .

هنا سنجد حلب / سوريا قاسما مشتركا, فهي مكان الحدث / المأساة من قبيل السلطة . كمقتل السهروردي . ومن قبيل طامعي السلطة كأحداث الثمانينات هناك حيث كانت أشعار ابن الفارض علما على هذه الأحداث . وفي نفس الوقت فإن حلبا كما قلنا مركزا من مراكز المولوية التي تدعو للتسامح والتعايش مع الجميع.

لم يقتصر استخدام ناصر عبد المنعم للمولوية على الرقص فقط . بل كان هناك الغناء الذي نهج النهج نفسه حتى مع أشعار السهروردي , كما ان الديكور الذي كان في الأغلب عبارة عن كواليس للمسرح ثم ما يشبه شاشة خلفية في الخلفية مرتكزا على المولوية وفلسفتها وجماليتها / التعايش والتسامح. فأشكال الكواليس كانت رسما للراقص المولوي بحروف عربية تصعب قراءتها .

وكانت الشاشة الخلفية مرسوم عليها دائرة كبيرة تتسق مع الرقص المولوي والفلسفة . حيث يكون الدوران نحو الحق لينمو الحب والتخلي عن الفردية. وصولا للحقيقة أو الكمال .

وطبيعي أن تكون لوحات الكواليس والدائرة باللون الأسود على خلفية بيضاء . وشيوع الأبيض هنا وقلة الأسود ليس صراعا بين خير وشر كما هو معتاد . وإنما اتساقا مع دالات زى المولوية حيث يكون الأسود هو الحياة والأبيض هو الموت . وطبيعي في مثل هذا العرض يتحكم فيه المتجمدون والسلطة أن تكون دالة الموت أكثر وجوبا على مستوى الديكور أما الراقص فكان يرتدي الأبيض خالصا / الموت . وأعتقد أن القبعة الخضراء التي ارتداها في العرض جاءت نتيجة ظروف ما , فهي خارجة عن الدلالة وهذا شيء لا يفوت على ناصر.

أعتقد ان العرض علاوة على رسالته الأولى الواضحة هو رد قوي على من يدعون للعودة للماضي واستجلاب أشكال حكم ماضية تضم العالم الإسلامي كله دون رغبة أهله . بناء على رغبة بعض المأولين الذين يتصورون ان قولهم هو الحق . فالعرض يعلن أن أبطال التغيير والتسامح هم في الأصل من أبناء أمصار إسلامية اصطدموا بالمنتفعين والمتجمدين والسلطة .

وأنه إذا أعطينا الفرصة لهذه الفئة لأن تحكم . أو أن تركنا المنتفعين يخرجون ببعض الشخصيات عن طبيعة البشر بأنه لا يخطئون ستكون النهاية الطبيعية هي شيوع الأبيض الموت . ولن نقترب من الدائرة / الحب/ الحقيقة / محاولة الاكتمال وإنما سنطرد منها.

واعرف أن تأويلي هذا ربما يكون غريبا بعض الشيء . ولكنه تأويل نابع من سياق العرض . وهذا لهو أشارة على تأكيد أن العمل الفني المبذول فيه عناية . والخارج عن نفس واعية مثقفة من الممكن أن تتعدد تأويلاته بناء على رغبة المتلقي أو ثقافته.



   نشر في 16 شتنبر 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا