في ديسمبر 2015 تخرجت .. وأخيراً جاء اليوم الذي طال انتظاره، وكثيراً طال! لكن مثل أي شيء كنت قد تعودت عليه وتعايشت معه لفترة طويلة، عندما تفقده، تشعر بمدى الفراغ الذي حصل في حياتك بسببه، وتبدأ تفتح عينيك على أمور جديدة لم تكن تنتبه لها في السابق. هذا ما حدث معي على الأقل، وإن كنت خلال هذه الفترة منهمك جداً في العمل على True.Ensan وكان يأخذ الكثير من وقتي ويشغلني عن الانغماس في التفكير، لكن هذه الملاحظات كانت أقوى لتظهر على السطح وبقوة!
خلال هذه المقالة (أو عدد من المقالات آمل) سأكتب عن بعض الملاحظات التي عاينتها خلال هذه التجربة (التخرج) .. والتي أعتقد أن أغلب الخرّيجين يمرون بها .. لذلك ستكون مقالة مشاركة معهم، وأيضا مقالة تحضير للمقبلين على التخرج في السنوات القادمة :)
أنت في التحكم
خلال مراحل التعلم الدراسية الـ12 ، وبالإضافة لها السنوات الجامعية .. كان هناك دائما خطة مسبقة موضوعة لك .. على مدى هذه السنوات الطويلة، تلك الخطة الموضوعة، كانت تأخذ بيدك من مرحلة إلى أخرى، تبدأ فيها وأنت لا تمتلك أدنى فكرة عن شيء، ثم تخرج منها وأنت على معرفة جيدة جدا تسمح لك أن تكون متخصصا إلى حد ما فيه.
هذه الخطة التي أخذتك من نقطة صفرية إلى مرحلة تحمل مسؤولية كاملة، كانت موضوعة بشكل محكم يأخذك بشكل تدريجي خطوة بخطوة .. ومهما كانت حريتك في اختيار المساقات التي تريد دراستها، هي فقط حرية محدودة ضمن ما تسمحه لك تلك الخطة من الحركة خلالها، مما يتناسب مع مرحلتك الدراسية.
الآن .. مع التخرج .. هذه الخطة لم تعد موجودة!
سيتطلب الأمر منك بضعة أيام لتدرك هذا الأمر ربما .. لكن ستأتي اللحظة التي سيتملكك فيها شعور غامر، بحجم التحكم الذي تمتلكه الآن .. وهنا أعتقد يكون اختبار من أهم الاختبارات التي تمر بالشخص في حياته .. لماذا؟ .. لأنه هنا توضع على عاتق الشخص المسؤولية التي كان يتحملها عنه شخص آخر (بطريقة ما، ممكن أن تكون خفية) وتوضع بين يديه لأول مرة، لكي يبدأ في الاختيار.
كيف؟
في السابق ..كان لديك جزء من الحرية ولكن ليس بمقدارها الحالي الذي بين يديك .. فمثلا، كان يمكن لك أن تهمل جانب معين، إلى حد ما، إلا أن اختباراً بسيطا أو واجب معيّن (عليك القيام به) يحد من هذا الاهمال، ويعيدك على المسار المطلوب، ولو كانت لفترة محدودة فقط.
الآن .. لا يوجد شيء من هذا القبيل .. إذا أكملنا في موضوع الاهمال مثلا، فيمكنك أن تعيش يومك كله دون القيام بأي شيء، ويمكنك الاستمرار على هذا لأيام وأشهر وسنوات في بعض الحالات .. ولا يوجد من يذكرك بما عليك القيام به، ولا توجد واجبات (عليك القيام بها). قد يؤنبك ضميرك من حين إلى آخر، إلا أنه من الممكن تغطية هذه الالحاحات بسهولة في كثير من الأوقات.
هناك خيارات تكاد تكون لا متناهية أمامك، ولا توجد خطة موضوعة من أجلك لكي تأخذك من بينها، وتستمر في وضعك على المسار الصحيح. أنت المسؤول! خاصة إن كنت تريد انجاز شيء معين الآن، أو كنت تريد تنمية جانب معين في نفسك، أمامك فرص كبيرة جدا ومصادر (خاصة من الانترنت .. معروف) كثيرة يمكن أن تفيدك بشكل كبير .. لكن لا يوجد منهاج هنا :) أنت من يخطط، أنت من يحدد الأولويات، أنت من يتحكم الآن.
كما هو قانون نيوتن: "الجسم المتحرك يبقر متحركاً ما لم تؤثر عليه قوة خارجية" .. كذلك الاهمال يمكن أن يستمر وطويلا، مالم تؤثر عليه قوة من داخلك .. قد يكون صعب، نعم .. لكنه اختبار، وككل الاختبارات تحتاج جهد.
لماذا يكون صعب، ولماذا قد يميل بعضنا إلى التسليم بشكل ما أمام كل هذا؟ لأنها مسؤولية جديدة لم نتعود عليها، وهي الآن أمام خيارات لا متناهية، كل شيء الآن ممكن، كل شيء! تنقصك فقط الخطة والالتزام الذي كان كما كان أيام الدراسة.
هذه كان رأيي الشخصي حول هذا الموضوع .. إن كان لديك تعليق أو رأي يمكن إضافته عليها، رجاءا شاركها/شاركيها مع الجميع في التعليقات بالأسفل!!
-
أسامة نعمان...