سينما الأخلاق الحميدة!! - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سينما الأخلاق الحميدة!!

عن السينما وأهلها وما يقيدها.

  نشر في 19 يوليوز 2018 .

عزيزي القارئ، أرجو أن تسمح لي ببعض الوقت لأحدثك فيه عن شخصٍ ما، وسنسميه مثلاً (كامل)، ودعني أخبرك أنه حقاً "اسم على مسمى"، فهو شخصٌ كامل الأوصاف، يقترب للقدسية حيث أنه نادراً ما يخطئ أخطاءً لا تذكر بتاتاً!

إن (كامل) هو النموذج الأمثل لأن يحتذى به، فنعم القدوة هو ومن هم على شاكلته من البشر الذين شارفوا على الانقراض، فبالإضافة إلى أنه لا يسهو ولا يذل، يمكنه أيضاً العبور من الصعاب دون أن يعلو صوته، وفي مقدوره إصلاح العالم من حوله، ولا تغير من طباعه المحن، فهو ثابت الخطى على درب الفضيلة، فضلاً عن أنه يقدس الروتين ويكن له إحتراماً خاصاً حيث أنه لا يكسره مهما كانت الظروف قاسية!

حسناً، بعد أن فرغت من قراءة قصة هذا الشاب الطموح "كامل الأوصاف"، لابد وأنك تتمتم بينك وبين نفسك بكلماتٍ عن مدى نقاء تلك العينة من البشر، وربما تقرر أن تنادي في الناس بأن يحتذوا بمثل هذا الشخص وأن يعمموا سلوكه، لعل العالم يصبح وردياً.

ولكن ... دعني عزيزي القارئ أبلغك بأنني قد قررت أن أسرد عليك روتينه اليومي الممل لمدة 30 يوماً أو أكثر عنوةً واقتداراً!!! ولن أتيح لك فرصة البحث عن بديل...

ما الأمر؟ ما هذا النفور الذي ألّم بك فجأةً؟! حسناً، سأحدثك عنه لمدة ساعتين ونصف الساعة فقط لا غير؟ أتوافق على ذلك؟؟ لا أيضاً؟ لمَ؟ ألم تكن قبل قليلٍ متعاطفاً معه؟ أفعندما أقص عليك روتينه الرتيب وسخافة حياته وخلوها من المحتوى المثير للاهتمام تتهرب مني كأن لم تكن مناصراً لأخلاقه الحميدة منذ لحظات؟؟؟!! وعجبي!

هذا هو تماماً ما أحاول إيضاحه ... عزيزي القارئ، لا يوجد في الدنيا ما يثير الاهتمام في حياةٍ شخصٍ سوي، لا تشوبه شائبة، ربما نريد تلك النماذج التي غابت عن الحياة أن تعود، ولكن عندما تهرب إلى الخيال لتطالع آخر عجائبه، لن يرضي شغفك أن تتعرف على تفاصيل شخصٍ سوي! فأين هي الدراما في حياته؟

ولنقرب المسألة أكثر، دعنا نسأل أنفسنا سؤالاً، ما هو أهم عناصر القصة؟ أليست الحبكة؟ والحبكة بطبيعتها تقوم على مشكلةٍ أو معضلة، وغالباً ما تلفت أنظارنا النماذج الغريبة والتي لم نعتد عليها، ويا حبذا لو اتسمت ببعض الجنون، أو المساوئ، أو السيريالية، أو ربما في بعض الحالات "الـ ’لا منطق‘".

هذا بمنتهى البساطة ما يشبع حاجتنا من السينما (أو الدراما أو الأدب) في تحقيق الغاية الأهم، ألا وهي المتعة! فعندما تكون مجهداً من يوم عملٍ طويلٍ وشاق وتهرب من مشاكل الحياة وهمومها وتقلع عن عادة التفكير القاتلة لبرهةٍ من الوقت وتقرر أن تقصد أقرب دار عرضٍ سينيمائي لك، حتماً ستذهب هناك لقضاء وقت تتمنى أن يكون ممتعاً، ولن تذهب بالتأكيد لتتثقف في أمور حياتك ودنياك من خلال "فيلم"!

إن هذا الأمر برمته يثير جنوني، كيف لنا أن نطالب بالحث على الأخلاق والفضائل من خلال شاشة السينما؟! وما يعكر مزاجي أكثر هو امتعاض الشرائح المختلفة من المجتمع عند ذكر نموذجاً منها بسوءٍ في أي عملٍ دراميٍ كان أو سينيمائي، وقد يحتد الأمر حتى يصل إلى ساحات المحاكم! حقاً! هل من المقنع أن تقاضي مبدعاً؟

أتسائل دائماً، لماذا يمتعض محامٍ ويشعر بوخزةٍ في صدره أو يشعر بالعار عندما يرى نموذجاً لمحامٍ فاسد في أي عملٍ فني؟ ولما يتدايق طبيب عندما نكتب عن شخصية طبيب مختل يقتل ضحاياه وهو في قمة النشوى والاستمتاع، ولما تعترض لجنة حقوق الطفل (أو أياً كان اسمها، فلا أهتم لذلك) على فيلمٍ عنيف يقطر دماً في كل لقطة؟

أقسم أنه يوجد ما يسمى بالتصنيف العمري، أي أنه إذا كان هناك محتوى يخشى من تأثيره على الأطفال يتم تحذير الأهالي من مشاهدتهم له، لذا فلا تلوموا إلى الأهالي الذين يسمحون لأولادهم مشاهدة ما لا تسمح لهم سنهم بمشاهدته!

وأتسائل أيضاً، إذا كان دور السينما والفن حقاً هو تثقيف البشر وتقديم ونشر وبث الوعي، فما هو دور المنشآت التعليمية والصالونات الثقافية (الغائبة)، وإذا كان المنوط بالسينما أن تعلم الناس بأمور دينهم وتفقههم فيه، فما الجدوى من وجود الأزهر والكنيسة، وإذا كان لابد من وجود الدور الوطني في صناعة السينما، فما هو دور الإعلام!

حسناً، سنقوم بزرع تلك المبادئ العظيمة في كل فيلم ومسلسل نكتبه، ونتناسى تماماً الخطابة الفجة والمقحمة على عالم الفن، ولكن شريطة أن تقوموا بغلق المدارس والجامعات والمعاهد ودور العبادة والمؤسسات وكل ما يخص البلاد والعباد، ويكتفى الناس فقط بمشاهدة الأفلام حتى يتعلموا ويتثقفوا ويصحوا ويتفقهوا!

ولمَ كل ذلك؟ لماذا تختلط علينا الأمور ولا نجيد توزيع الأدوار، أقسم لكم أن المجتمعات المنضبطة تسمح للناس ممارسة الجنون عن طريق الفن، وليس للفن أي دور سوى أنه متنفس للبشر، وإن كانت أخلاقكم وطباعكم وثقافاتكم تتشكل وتتبدل وتتغير على أساس ما تشاهدونه في الأفلام، فربما يلام على ذلك الأهل أولاً لعدم تربيتهم لأبنائهم بشكلٍ سليم، وربما علينا أن نلوم المنظومة التعليمية لعجزها عن إخراج نماذج مثقفة وواعية، تمتلك حرية واستقلالية التفكير حتى لا يؤثر عليها شيء!

ليس الحل في المنع، وليس الحل في فرض الرقابة وتنقيح الأفلام أو الدراما من مواضيع معينة تحت إشراف رقابة المصنفات الفنية، أو لجنة الدراما حدثية العهد أو أية منظومةٍ أخرى.

ولماذا تتدخل المؤسسات الدينية في مواضيع الأفلام، ولماذا يهرع أي شخصٍ لرفع دعوى قضائية على فيلمٍ من الأفلام لأنه ذكر نموذجاً معيناً من الناس بسوءٍ وهو لم يعمم؟! وحتى إن حصل التعميم في الأفلام، فلمَ لا نقول بأن هذا هو حال العالم الذي نسجه المؤلف من خيوط خياله؟ صدقني عزيزي القارئ، أنت لا تحمل الحق في مقاضاة فنانٍ لأي أمر إلا إذا ذكرك أنت بسوءٍ ليس فيك، وهذا لا يحدث!

إنه لمن العبث أن يحتضن العالم من حولنا الجنون في حياتنا اليومية، وأن يتم التغاضي عن المساوئ التي نتعايش معها، ثم نطلب من صناع الإبداع أن يلتزموا بالرشد والأخلاق والورع في أعمالهم الفنيةّ!

إن الجنون مكانه هو الفن، فمنذ أن وجد المسرح في قديم الزمان، والفنانون يتخذون منه ملاذاً لكي يعبروا فيه عن ما يجول في خاطرهم، والأفضل هو أن تكون الأفلام قناتنا القانونية لممارسة العبث.

صدقوني، إذا تبدل حال صناعة السينما بفعل كل المنظمات والأفراد إلى مصدرٍ لبث الصواب بشتى صوره، وترك الواقع يمارس الجنون بحجة أن تلك حرية شخصية، لن تعتدل أبداً كفة الميزان، ولن تحارب الرداءة الفنية بالمنع، بل بالسماح لكل أشكال الفن أن تأخذ مكانها على الساحة وأن ترى النور.

أما إذا كنت تتأثر سريعاً بما تشاهده، فربما عليك منع نفسك من مشاهدة الأفلام، فلا أحد يكرهك على مشاهدتها لتصيح في وجوه مبدعيها بأنهم يحثون على الفساد والعنف، إلخ!

عالجوا أنفسكم، فإنكم أحرار لتختاروا ما شئتم ولترك ما لا ترونه يليق بكم، لأنه إذا صارت كل النماذج المطروحة على الساحة الفنية من أمثال "كامل الأوصاف لا يخطئ ولا يسهو" فلن يتبقى لنا سوى نسخاً مكررة من "عائلة ونيس وكيف يتعاملون مع الحياة".

دعوا الجنون يسير في مجراه...


  • 1

   نشر في 19 يوليوز 2018 .

التعليقات

اتفق معك في أن هناك الكثير من القصور في دور المدارس والعبادة في تأدية واجباتها تجاه المجتمع...
ولعل وتيرة الحياة السريعة أثرت على قطاع كبير من الناس في البحث عن قوتهم مدة أطول من ذي قبل فقلت التوعية والتربية في البيوت فالأهل مشغول بجمع المال والولد منغمس في أهواءه لا يجد من يوجهه...
ولكن دعني اسألك سؤال: ما هو وجه الاستفاده عندما تذهب الى الشاشة الكبيرة وترى رجل وامراءة لا يفصلهما هواء كما ولدتهم امهاتهم؟؟ او راقصة؟؟ او مشاهد لا ينتج منها الا تلويث العقول الناشئة؟؟
العمل الفني والابداعي لا يستخدم لممارسة الجنون والا كان الجنون هو السائد في المجتمع..
واخيرا حتى التربية الصالحة قد تتاثر بالفن الطالح طالما نحن البشر تجري غرائزنا مجرى الدم..
0
. منذ 6 سنة
أمران أتقنتهما:
1-عنوان ذكي جدا.
2-أسلوب ايضا ذكي بطرح التساؤلات.
رغم إختلافي معك في نقطة أن تترك الأعمال الفنية دون "رقابة"، ولن اقول أنها ضرورة، بل ينبغي فقط وضع مبادئ، أو خطوط عريضة أوميثاق شرف في العموم، وليس أن يكون سيف مسلط على الأعمال الفنية.
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا