المجمع الفقهي الجزائري ودوره في توحيد المرجعية الدينية والحدّ من اضطراب الفتوى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

المجمع الفقهي الجزائري ودوره في توحيد المرجعية الدينية والحدّ من اضطراب الفتوى

  نشر في 14 يونيو 2017 .

إن حديثنا عن المرجعية الدينية في الجزائر وضرورة توحيدها هو شغلنا الشاغل الذي لا نكلّ من إثارته والدندنة حوله كلما سنح لنا سانح فرصة، وبالنظر إلى التحديات التي تواجه المجتمع الجزائري يتجدّد الحديث عن المرجعية الدينية وسبل تكريسها وإعادة إحيائها في نطاقها المؤسساتي، كما فعل عبد الحميد بن باديس وأشياخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها في العام 1931.

رغم خطر وضرر الاستدمار الفرنسي الذي أراد تدمير عقيدة التوحيد في المجتمع الجزائري المسلم واستئصال كل سلوكٍ يترجم تمسّك الجزائريين بهذه العقيدة والتفافهم حولها، قد أيس ويئس وانقطع حبل أمانيه من أن تتحقّق أو أن ترى بصيص نورٍ يبعث الأمل على تحقق طرفٍ منها.

استدمارٌ بقوّة فرنسا عجز عن تنصير شعب الجزائر المسلم طيلة حركيته التبشرية التي استمرت قرنا ونيّفا، لعبت فيها مؤسسات وجمعيات التبشير دورا بارزا في ترسيخ روح المسيحية المشوّهة، تصدّى لها ابن باديس بمشروعه المؤسساتي (الجمعية).

ولا غرو أن فشل مشروع أستاذ التاريخ الكاردينال شارل مارسيال لافيجري (Charles Martial Lavigerie) مؤسّس جمعية الآباء البيض (Pères Blancs) في العام 1868 وأترابه؛ لدليل على أن الإسلام قد رسخ في قلوب وعقول وجوارح الجزائريين وتمكّن منهم ولا أمل في زحزحتهم عن معتقدهم وديانتهم التي ارتضاها الله جلّ وعلا شرعة ومنهاجا: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) آل عمران، 19. (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران، 85.

إن حاجتنا إلى مؤسسة تحتضن المرجعية الدينية العلمية الجزائرية مطلبٌ بات أكثر من ضروري، بل لعمري صار التزاما وواجيا عينيا يتعين على الدوائر الرسمية ذات الصلة أن ترعى تجسيده في القريب العاجل، وقد قلنا في مناسبات كثيرة أن التأسيس لما أسمّيه "المرجعية الدينية المؤسساتية" يُتيح التعريف بالعلماء في شتى ميادين العلم ويهيّء للكفاءات العلمية المتخصصة فرصة الاجتماع على إيجاد الحلول لنوازل الأمة الجزائرية ومواجهة تحدّياتها بدلا من أن يؤول أمر الإفتاء إلى غير أهله، ويصير الإخبار الشرعي هملا ومرتعا خصبا يعيث فيه الرويبضة برأيه الفاسد الخداج.

لا يهمّ شكل المؤسسة الدينية الإفتائية على غرار أن تكون مجمعا فقهيا مثلا، المهم عندنا أن تحتضن كفاءات الأمة وتستبقيها مجتمعة عند الحاجة، وتُعرّفَ بها حتى تكون معروفة لا مجهولة، وهكذا فلن يتقوّل قائل مقالة كذب ويزعم أن ساحة الجزائر صفرٌ من العلماء لا سيما في ميدان الدين، وأنْ ليس هناك علماء مقتدرون يُطيقون أمر الفتوى المسندة بالأدلة الصحيحة، هي شبهة لا يردّها إلا مثل هذا المجمع الفقهي وشبهه.

والمجمع الفقهي تنظيم مؤسساتي يتمتع بالشخصية المعنوية القانونية وما تتطلبه من استقلالية التسيير المالي والإداري، وتمثيل قانوني، وإمكانية التعاقد...طبقا لنص المادة 50 من القانون المدني الجزائري الساري. تتحدّد صلاحياته وهياكله بموجب التنظيم الذي سيصدر بشأنه.

وعن أحد أهم الأدوار التي سيلعبها هذا المجمع الفقهي أو المرجعية الدينية المؤسساتية، نرى أن ساحة الالتزام الديني ستتدعم بهذه المؤسسة الدينية، من خلال نظرها في نوازل المسلم الجزائري ومُرتهنات واقعه الحاضر والمستقبليّ التي تهمّه وطنيا وإقليميا ودوليا، وأيضا ستحظى المرجعية الدينية العلمية الجزائرية (العلماء) – وهي قسيم المرجعية الدينية المؤسساتية - بالتعريف الذي يليق بها، وسيتعرّف الجزائريون علماءهم ويقصدونهم للتعرّف على أمور دينهم.

إن المجمع الفقهي تنتظره رهانات وتحديات كبيرة خاصة وأنه تجربة فريدة في الجزائر، تحديدا فيما يتعلّق بتعزيز المرجعية الدينية وصونها من الفتاوي غير المنضبطة بضابط متغيّر الزمان والمكان والحال والعوائد والأعراف، ودرء الفتن التي تسببها هذه الفتاوى، وغلق باب الفساد من أن يحيق بأمتنا بسببها.

وهنا لنا ملحظان هامّان:

الأول- إن المرجعية الدينية تعكس واجب المحافظة على الموروث الفقهي المالكي لكن مع التزام الإنفتاح على بقية المذاهب الفقهية، الذي يتطلّبه الإجتهاد والنظر في الأدلة الشرعية للمذاهب الفقهية. وعليه من الضروري أن يعكس ويُترجم المجمع الفقهي التنوع الفقهي والمذهبي السائد في الجزائر، وإشراك حميع الكوادر العلمية المتخصّصة المقتدرة دون إقصاء، طالما أن المصلحة واحدة وهي صلاح العباد وإصلاح البلاد. وهو ما جسّده الإمام عبد الحميد بن باديس عند تأسيس الجمعية.

الثاني- من المهم ألا تتعارض صلاحيات المجمع الفقهي مع صلاحيات المجلس الإسلامي الأعلى التي نصّ عليها دستور 1996 المعدّل مُؤخّرا بالقانون رقم 16 – 01 في نص المادة 195: "يُؤسّس لدى رئيس الجمهورية مجلس إسلامي أعلى، يتولى على الخصوص ما يأتي: الحثّ على الاجتهاد وترقيته، إبداء الحكم الشرعيّ فيما يُعرض عليه، رفع تقرير دوريّ عن نشاطه إلى رئيس الجمهورية". وهذا الملحظ قد نبّهنا عليه في مقال سابق.

نعم قد تتقاطع الصلاحيات بين المجمع الفقهي والمجلس الإسلامي الأعلى، لكن شريطة أن يقع في إطار ما يسمح به التشريع والتنظيم، ودون أن يكون ذلك مبعثا على تنازع الاختصاص والصلاحيات، وهو ما يتعيّن على المشرع القانوني أن ينتبه إليه ويحتاط لوقوعه.

سيكون المجمع الفقهي الجزائري مكسبا دينيا ومبعثا على الأمن الديني من أيّ فتوى قد يحيق خطرها ويقع ضررها بالمجتمع الجزائري. هذا ونرى أن يتدعّم هذا المجمع – فور تنصيبه – ببوابة الكترونية تتيح للجزائريين وغيرهم طرح اشنغالاتهم الدينية على هيئة المجمع، وكذا عرض الأبحاث الفقهية في القضايا المعاصرة للباحثين والمختصين والمهتمين.

أخيرا، نحن ندعم ما تفضّل به الدكتور محمد عيسى وزير الشؤون الدينية والأوقاف من ضرورة إنشاء مجمع فقهي يُعنى بتوحيد الفتوى وتأكيده بأنه سيرى النور قريبا، ونُثمّن فكرة هذا المشروع الديني الهام ونشدّ عليه بأيدينا بل ونعضّ عليه بنواجذنا، فقط أن تتوافر الإرادة الصادقة لتجسيده قريبا.

كتبه: د/ عبد المنعم نعيمي

كلية الحقوق- جامعة الجزائر 1

في الجزائر العاصمة المحروسة، يوم الثلاثاء 18 رمضان 1438 هجرية الموافق 13 جوان 2017 ميلادية.



  • عبد المنعم نعيمي
    وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ
   نشر في 14 يونيو 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا