الايمان المتجدد مكسب لتمكين النهضة الحديثة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الايمان المتجدد مكسب لتمكين النهضة الحديثة

سميرة بيطام

  نشر في 17 ديسمبر 2019 .

      إن القرآن الكريم ليس كتاب دين و تشريع فحسب ،بل إنه كتاب تربية و توجيه و توعية للمسلمين على أن يعودوا إليه بالفهم و التطبيق ،فيصلح أمرهم أفرادا و جماعات ،شعوبا و حكومات ،و حتى الميدان السياسي الذي قد يبدو من اختصاصات القرن الواحد و العشرون ،و من مهارات أوروبا و الحضارة الغربية ،فان القرآن أعطاه حقه ووفاه نصيبه ، و من ثم فان المسلمين ليسوا بحاجة إلى المنظرين الإيديولوجيين الذين يضعون لهم القواعد و النظم ليصبحوا أقوياء سعداء ، و إنما هم في حاجة إلى الميدان العملي الذي يطبقون فيه النظريات التي جاء بها كتابهم ، فلسنا معشر المسلمين فقراء إلى ما يملى علينا قوة الإرادة و صدق العزيمة و ما ينمي فينا القوى العقلية ،لأنه لدينا بواعث كثيرة و كبيرة ، فالقرآن كاف لإيجاد الملكات الباعثة إلى المفاخر و كسر قيود الشقاء و الاندفاع إلى عمل تبعد به الهيئة الاجتماعية أو الجامعة العامة .

لقد جرى المسلمون منذ انتشار الإسلام بين الأمم على تفسير القرآن بالفارسية و البربرية و التركية لهذه الأمم التي تجهل اللغة العربية ففهموا أحكامه و أدركوا الإسلام حتى رسخ في قلوبهم ، فكانوا من أكبر العوامل في نشره ، أما ترجمة الإسلام على النحو الصحيح و على النسق الذي يزيد في الإيمان رفعة و قوة و تغلغلا في عمق الروح لهو التحدي الذي حرص عليه المسلمون عبر أزمنة عديدة لتجسيد مبدأ اللفظ المشترك للتوحيد الذي يشمل ركائز الإيمان و خصائصه التي استمدها المسلم من وحي القرآن و سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، و على ركيزة الإيمان هذه يخطو المجتمع المسلم خطوات الحياة اليوم في أطوار الحياة الإنسانية المتكونة من العمل للدنيا و الآخرة ، فان كان الإخلال بلوازم الحياة لا يورث إلا التقصير في واجبات الآخرة لكفى ضياعا و تفريطا .

أولا : الإيمان المتجدد شرط لنهوض الأمة من كبوتها

إن الأمة لن تنهض من كبوتها و لن تتغلب على عناصر التخلف فيها إلا إذا فهمت دينها بهذا الفهم الصحيح الذي يدعوها إلى الوسطية بين الأخذ من الدين و الدنيا معا ، و القرآن الكريم يدعونا إلى تجديد الإيمان مع كل ابتلاء و مع كل بلاء و مع كل مشروع حضاري يستلزم نزع غشاوة التخلف الذي أصاب أمتنا جراء الحروب و الفتن و الصراعات ، و لئن لم نفهم بعد أننا معنيون بمسألة التجديد الحضاري التي تستمد دعائمها من التجديد في الإيمان ، فسرد التاريخ يجلي المشكلة.

اذ أن الاستعمار الأوروبي جند كل القوى المادية و المعنوية التي يملكها لتثبيت احتلاله للأقطار الإسلامية ، وكان من الوسائل التي استخدمها ليصل إلى هذا الهدف من يطلق عليهم بالمبشرين و المستشرقين أولئك الذي يسعون لتنصير المسلمين و إخراجهم عن دينهم الحنيف و هم لتشويه القيم الإسلامية و التشكيك في التعاليم السامية التي جاء بها القرآن الكريم .

و كثيرا ما كان التركيز على تنفيذ الخطة في الأقطار الإسلامية المستعمرة التي يجد فيها هؤلاء مجال العمل واسعا و التأييد من السلطة الحاكمة قويا و التبشير أشد خطرا من الاستشراق ،لأن مجالات عمل الاستشراق محدودة إذ أن تأثيرهم ينحصر فيمن يستطيع الاطلاع على آرائهم و هم الطبقة المثقفة التي هي قليلة على كل حال ،أما التنصير فيتجه رأسا إلى الطبقة الفقيرة المحرومة من التعليم ليستغل فيها نقاط الضعف هذه و هي طبقة عريضة ، و الذي جرأهم على ذلك هو الاستعمار ،لأنهم صنيعته ، و عملهم يدخل ضمن الخطة التي يعدها الاستعمار الغربي لغزو بلاد الإسلام ، فهم يمثلون القوى التي تدخل الأمة تحت شعار الدين و الخدمات الاجتماعية و الثقافية لضرب الصفوف من الخلف ، و تفتح لهم أبوابا يدخلون منها إلى ضرب القلب الذي هو الدين الإسلامي.

و عليه لن توصد الأبواب في وجه العدو إلا بالتذكير والوعظ و الإرشاد و نشر تعاليم القرآن بين سائر أفراد الأمة ، إذ تعتبر فئة الشباب المسلم من أكثر الفئات المتضررة من

 التغريب الممسوخ عندما اعتنق ثقافة الغرب فكرا و سلوكا ،و حاول تطبيقها مبهورا على المجتمع الإسلامي و أدخل هذه الأمراض الفتاكة على الأسر المسلمة لتقويضها من الداخل حين توجه إلى المرأة المسلمة أسهم الإفلاس بتحييدها عن مهامها النبيلة في التربية و تنشئة الجيل الصاعد عل المبادئ و القيم ، فسياسة التغريب تهب رياحها على الأخضر و اليابس لأن الهدف واضح و هو ضرب الإسلام و كل من يعتنقه و كل من يطبق تعاليمه في الأسرة لمحاولة تجريده من مبادئه القيمية التي شرحها القرآن الكريم بالتفسير و دلت عليها السنة النبوية بأحداث وقعت للرسول صلى الله عليه وسلم و لأصحابه الكرام ، و هو ما يمحو صفة الشك من أن الغرب يحب للأمة الإسلامية الخير و يحب لها الفلاح اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا ، بالعكس إن لم يتجدد الإيمان في قلوب المسلمين و إعادة رسكلة الأفكار و المشاعر بما يتوافق و العجلة التحديثية للمجتمعات ،فانه سيكون من الصعب مواكبة التطورات و حماية أنفسنا من الانحراف و التضليل.

ثانيا :مدى تأثير العولمة على تجديد الإيمان كعامل خارجي

إن قضية الحرية السياسية في العالم العربي هي في أزمة آخذة للخناق ، كما تعتبر مسألة الرخاء و الازدهار الاقتصادي مسألة يشوبها النقص لأنها لم تتم على النحو الذي كان مرجوا منها ، فلا زالت الطبقات الفقيرة في مجتمعاتنا تشكو العوز و الفاقة و ضيق العيش و غلاء الأسعار و عدم تكافؤ الفرص ،و هكذا لم تشبع جماهير من جوع و لم تأمن من خوف بسبب ضعف الوازع الديني و بسبب تفكك المجتمع و ابتعاده عن العيش بالمبادئ السامية للإسلام ، هي نتائج تجعل المسلم يبحث في بنود العولمة و مضامينها فيما إن كانت تحمل السعة القيمية للمبادئ الإسلامية ، حتى لا يتأثر الإيمان بتوابع الركود و سراب الإمعة ، فيصبح المجتمع الإسلامي بأطيافه المختلفة يشن حربا على العدو ووسائله الحديثة و المميعة و التي لا تخدم المبادئ بالدرجة الأولى بقدر ما تخدم أجندات أجنبية تسعى دائما لضرب الإسلام في العمق من أجل تشويه سمعته و الإخلال بميزان الإيمان لدى معتنقيه .

فالمستقرئ للصراع الدائر في العالم و الأزمة الروحية و النفسية التي يمر بها ، و التخبط الاجتماعي الذي يرزح تحته ،و التحلل الخلقي الذي يشكو منه عقلاؤه ، و الجهود التي دعت إليها العولمة من أجل تقفي أثر الإسلام إنما زادت من اعتناقه و حتى أصيب أعداء النهضة بداء الجمود ، و عليه يلاحظ الكل أن الغرب أفلس في قياداته و عجز عن حمل الأمانة ، لأن العالم اليوم بحاجة إلى رسالة جديدة متجددة ، حضارية عالمية إنسانية ،أخلاقية ربانية ، لا شرقية و لا غربية ،إنما حضارة تجمع بين الإيمان و العلم فتجدده ، و تمزج بين الروح و المادة فتحفظها، و توفق بين حفظ الحريات الإنسانية و بين مصلحة المجتمع ، لتصب كلها في قالب التوازن .

ثالثا : آليات تجديد الإيمان في ظل اللاستقرار العالمي

لولا صبر الزارع على بذره ما حصد ، و لولا صبر الغارس على غرسه ما جنى ، و لولا صبر الطالب على درسه ما تخرج، و لولا صبر المقاتل في ساح الوغى ما انتصر ، و هكذا كل الناجحين في الدنيا إنما حققوا آمالهم بالصبر ، كذلك تجديد الإيمان إنما يحتاج لصبر و تدبر في مكنونات الروح و بعد النظر نحومجتمع يعج بالمتناقضات و الفتن و المشاكل و كذا على الأفق العالمي أين نخرت الحروب استقرار الدول فضاعت الحقوق تحت لواء الغلبة للقوي ، فلم يعد المهاجر من بلده يعرف كيف يسترد حقه ، و قد يعثر المؤمن و لا يلبث أن ينهض و قد يخطىء ثم يوشك أن يصيب ، و قد يجرح ثم لا يلبث أن يندمل الجرح و قد يفشل مرة و مرة فلا يلقي سلاحه و لا يستسلم لليأس و لا يفقد نور الأمل و شعاره في ذلك قول الشاعر الحكيم :

لا تيأسن و إن طالت مطالبـــــــــة                      إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

أخلق بذي صبر أن يحظى بحاجته                 و مدمن القرع للأبواب أن يلجا

لقد عرف محبي المجد و خطاب المعالي و طلاب السيادة أن الرفعة في الدنيا كالفوز في الآخرة ، لا تنال إلا بركوب متن المشقات و تجرع غصص الآلام و الصبر عن كثير مما يحب و على كثير مما يكره ، و بدون هذا لا يتم أي عمل و لا يتحقق أمل، و من 

تخيل غير هذا الطريق كان كالذي قال لابن سيرين : إني رأيتني في النوم أسبح في غير ماء ، و أطير بغير جناح ،فقال له : أنت رجل كثير الأماني و الأحلام ، تتمنى ما لا يقع ، و تحلم بما لا يتحقق .

و مما لا شك فيه أن هناك انحطاط عام في كل ميدان من ميادين الحياة الإسلامية –نتيجة لبعد المسلمين عن الإسلام الصحيح فهما و تطبيقا- نعم هناك تخلف في العلم و جمود في التفكير ، و ركود في الفقه و التشريع و قصور في التربية و التوجيه ، و فساد في الإدارة و الحكم ، و صار العدو الزاحف المنتصر متفوقا في هذه المجالات ، فبهر أبصار الكثيرين و خلب ألبابهم ، فبدأووا يسيرون في دروبه و يتبعون سننه ، شبرا بشبر و ذراعا بذراع .

و المستقرأ للصراع الدائر في العالم ، و الأزمة الروحية و النفسية التي يمر بها و التخبط الاجتماعي الذي يرزح تحته ، و التحلل الخلقي الذي يشكو منه عقلاؤه –يهتدي إلى أن الاتجاه الذي لا بد أن يسود العالم هو الإسلام ، و قد آن للشعوب أن تتحرر من التبعية للغرب و الشرق ، و أن ترفض كل حل مستورد و كل منهج دخيل ،و أن تتخذ من الإسلام الصحيح حلا لمشكلاتها و دستورا لحياتها ، فقد جاءتهم النذر و جاءهم من الأحداث و الأنباء ما فيه مزدجر .

أصبحنا ننظر للإيمان في عالم يعج باللاستقرار على أنه المخلص الوحيد للعودة إلى عصر القوة و الحضارة و الديمومة ، و له في ذلك آليات لتجديده و هو أخذ العبرة من النكسات التي أصابت العالم الإسلام جراء التقهقر في تبوأ المناصب الأولى للريادة بعد أن كان العرب الممجدون للعلم و للدين هم السباقون في صناع المهد الأول و الحضن الآمن للحضارة الإسلامية ، لذلك بات ضروريا اليوم تجديد الإيمان برؤى تواكب تحضرنا بما يتلاءم مع ديننا كونه صالح لكل زمان و مكان ، فالتغيير لن يكون في الإسلام و إنما في الذهنيات و الأفكار و الاستراتيجيات حتى ننهض من كبوتنا و نحقق أحلامنا التي تبددت بفعل الركود و الفتور الإيماني الذي أضحى من الضروري تجديده .

على أية حال، فقد عادت مشكلة "التخلف" إلى البروز ، و أصبح "التقدم" أو "النهضة" في مقدمة ما يعمل له الحكام و الرؤساء ، و يدعو إليه الساسة و الزعماء ، بعد التحرير من نير الاستعمار العسكري و السياسي و الفكري ، لكن لم يفهم الكثيرون ممن يريدون خلاصا لأزماتهم أنهم هم أنفسهم خلطوا بين ما تحتاج إليه النهضة –أو التقدم – من الغرب و ما لا تحتاج إليه من ناحية أخرى ، لكن تجديد الإيمان يكشف الكثير من الغموض لأنه مرتبط بالجانب النفسي و الفكري و الأخلاقي للأمة ، لأنه الجانب الذي يعيد إليها حياتها و روح الحياة بنكهة جديدة تضخ دماء التحضر بكل ثقة و يسر و أمان ،ما دام هذا الإيمان مرتبط بالروحانيات و متعلق بتوبة المؤمن و عزمه على إيجاد الحلول لأزماته التي لها صلة مباشرة بأزمة المجتمع الذي يتفاعل فيه مع الآخرين ، فينشأ نسيج اجتماعي جديد و تبنى ركائز التقدم بكل استقلالية و شفافية، لأن التحضر لا يمس أمة واحدة و يحرم البقية ، بل هو مبدأ يتصل مباشرة بتمكين القيم و المبادئ التي تأخذ من العقيدة السمحة بنود الاستقرار و الديمومة و الريادة .

خاتمــــــة :

إن الإيمان متجذر في الروح المؤمنة المستمدة لقوة البقاء له من العقيدة الإسلامية التي تتميز بأنها ايجابية لها الأثر الطيب في حياة الأمة التي تكونت بها ، و في حياة كل إنسان اعتنقها ، فهي ذات أثر فعال في الحياة ، و ينبع هذا التأثير من أنها موافقة للفطرة الإنسانية و مبنية على العقل فيتجاوب معها الإنسان و يكون لها أعمق الجذور ، كما أن هذه الايجابية تبرز بمظاهر دالة عليها و هي آثارها الطيبة ، أما أنها موافقة للفطرة الإنسانية فواضح كل الوضوح في أن التدين موجود بوجود الإنسان و هذه حقيقة من الحقائق المسلم بها ، و الله تعالى أخبرنا بأن التدين فطري

في الإنسان إذ قال مصداقا لقوله " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " سورة الروم الآية 30.

     و رابطة العقيدة رابطة نهضة و سير بالإنسان في طريق الكمال الإنساني لما تمتاز به العقيدة الإسلامية من قوة تصهر النفوس و الشعوب و الأمم في بوتقة واحدة و تجمعهم على الخير و الهدى فتذوب بينهم الفوارق مهما عظمت و تتقارب منهم الأفكار مهما اختلفت و كل هذا التآلف إنما يصنعه الإيمان الصادق الخالي من الشوائب و لن تكون التصفية له من هذا الشوائب العالقة إلا بالتجديد الذي يمنحه حياة جديدة تؤثر و تتأثر بالمحيط المساهم في عملية النهضة .


  • 1

   نشر في 17 ديسمبر 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا