ممتطيا صهوة جواد الذكريات طائفا بأيام خلت حاملا لواء الرقابة لدرجة توبيخ الذات و اماطة اللثام على العقبات، او الفجوات او الإختلالات التي ادت الى اللا توازنات.
فوسط ارض قفار بين دروب وعرة محفوفة بأشواك وحرات، يصل به فكره في نهاية المطاف لباب مغارة داكنة الظلمات، تفوح منها رائحة الأسى والحسرة والندم على ما فات. بدت المغارة شديدة الظلام كريهة المنظر بائسة القسمات، فلا حياة بها ولا أنفاس، فقط صوت الأنين يصم المسامع و يوخز بشدة الجراحات القابعة في دهاليز الذات . وقف قصر إرادته بمدخل المغارة التي أطلت منها الحيات السامة والعقارب المجرمة في مشهد ترتجف فيه الفرائس كحال قصبة أمام الرياح. في الواقع لا يمكن للصورة أن تتضح بقدر يجيزله الوقوف على قمة الأيام الشماء في خضم غياب آليات التمييز بين الأسود و الأبيض، ومع ذلك يقف متأملا في الخوالي منها متلمسا تعنت شعبه الجنون، و الإفتقار لأدوات الإبحار وسط الأمواج المتلاطمة من الفرص ونعم القهار . فلقد كان الجو دائما جميلا والماء بنفس القدر من الصفاء الذي جعل الحالم يصل، والمُجِدّ يحصد، والساعي للقمة يتربع على مواطن الرفعة.
فكيف إحتقر نفسه وسعى بجهل و تهور لهدم بريقها مرافقا المستسلمين الباحثين عن قارب نجاة .....و فقط ؟؟؟ كيف جانب سبيل الرشاد سالكا الدروب الوعرة التي حادت به عن الهدف المنشود ؟؟؟ كيف ترجل الفارس يوم انتظر الجميع بل وتوقع القريب والبعيد أن لا يشق لصديقنا غبار ؟؟؟ فانطفأ بعناده وبمعاداة من تعهده بالنصح من أهل الحكمة.كيف خمد لهيب إرادة و عزم من أنارالقسم بالمدرسة يوم كانت صدى كلماته ترتطم بمسامع الرفاق في القسم ؟؟؟ ... سأكون المتوج في النهاية.... هذا وعد...
... توالت الأيام وبدأ صديقنا يجني ثمار التعنت والحياد و التفرق عن السبيل، وأثناء رحلة الوصول لنقطة القمة أو بالأحرى السعي لذلك، لعبت خبرة السنين ألاعيبها ضده، وهبت أعاصير اللاوعي أثناء سكرة وجنون الشاب المراهق الذي ارتطم سريعا بصخرة الصدمة، والإستفاقة المتأنية المتأخرة،..... و لكن بعد فوات الأوان. إنه اليوم المبحوث عنه، يوم القائمة و الأسماء المنتقاة للمستقبل .. ألم يكن زميله أقل منه مهارة ؟ ..ها هو اليوم طبيب !!!!.. ألم يكن زميله الاخر بنفس درجة التهور و امتهان الفوضى؟ ...ها هو اليوم مدير !!!!..و الآخر والآخر....نعم إنها الحقيقة المرة، إنها التي كلما اينعت نعت، والتي كلما جلت اوجلت، انها التي لا تهدي أحدا بريقا ما لم يتبرع لها بجهد، فهي لا تتودد لأحد لم يقرب لها القرابين بسهر الليالي و اصطياد العلا، هي الحقيقة التي تجبرك على الخضوع للقانون الازلي، انه الواقع الجديد و الصورة المباشرة لحقيقة تبث كل لحظة في مسلسل يومي يجسد قصة الحلم و غياب الايمان بتحقيقه في الواقع. هو موطن يجعلك لا تطلب سوى النور السماوي بأمنية الخلاص، داعيا أن يفتح لك باب الحل الإلهي، وهو التمني على الله تغيير الحال و استدراك ما ضاع، و التمتع برغد عطايا ملك السماوات و الأرض و مقدر الأقدار.
وهو في أعمق مراتب الظلمات الأرضية متأوها غصات الحسرة، متجرعا سموم الندم مثقلا بميراث السنون الذي يسكب الملح الأجاج على ما بقي من مواطن الفرح،ذاك الذي يصنع من الندم عقيدة يعتنقها المتحسر، أسير الأوجاع والتأنيب. عصف بكيانه فجأة نداء من داخل الفؤاد ألطف من الحرير وأعذب من النسيم، مدونا قائمة مترامية الأطراف بلا حدود و لا نهاية من تعداد النعم، وبنظم ضارب في قواعد النحو والصرف والبلاغة، مدويا على مسمع البشرية عبر كل أمواج الأرض ألم يخلقك ربك مسلما؟ أولم يغدق عليك بنعمه الظاهرة و الباطنة ؟ أولم يعافيك ويرزقك عائلة وأهلا وبيتا ؟ أولم ينقذك كلما ضاقت بك السبل وبلغت القلوب الحناجر؟ ... أولم كذا.... أو لم كذا !!!!.... وقتها يترجل الفارس موقنا أن ما أصابه ما كان أبدا ليخطأه، فتطفو لسطح جوارحه نعم الله التي لا تعد و لا تحصى و جوارحه تصدح بالحقيقة.... لا تحزن يا هذا و لا تبتئس و اغلق عليك باب الماضي و لا تلتفت، فالذي أخرج يوسف عليه السلام من الجب و من السجن و رفع له المكانة سيداوي جروحك، و من أغدق على أيوب عليه السلام بالعافية سيعوضك يقينا كل ما ضاع من العمر، فالأمر كله بين الكاف و النون بقدرة رب رحيم رحمان رزاق فتاح عليم، لن يضيع أبدا من استجار به و سار في حماه متبعا أوامره و مجتنبا نواهيه.
محمد بن سنوسي
01_09_2021
شاطئ مرسى بن مهيدي بورساي
-
بن سنوسي محمدمدون حر اطرح افكاري و اسعى للمشاركة في اصلاح المجتمع