"أقف على حافة الهاوية منذ زمن بعيد حتى صرت منها وصارت مني..
تقيدني خيوط الليل من قلبي، تهتز بي يمنة ويسرة كبندول ثمل حتى فقد اتزانه، تقبض على عقلي دوامة الذكريات، ترسل بي لدوريات حزن مختبئة خلف ستار النسيان، هذه صورة رفيق درب أثر الموت على، وتلك تظهر بها ضحكة أمي التي شق العمر تعرجاته على قسماتها، وهذه حديقة منزلنا وأزهارها الذابلة لغياب أهل الدار، تتلاحق العبرات وتجري معها الصورة تلو الأخرى يتبعهم جزء مني.
تثقلني أمطاري، تصرخ بي في صمت بكل ما كان، يزيد معها انطفاء روحي، كل فقد يزلزل خطواتي، يتكاثف جسدي على السقوط، يستنجد العابرين، لم أكن شخصا رائعا ولا بشخص سئ فقط كنت أتعلق بكل داخل فتمتزج قطعة منه بصدري، حتى صرت أشبه طيبة أمي، أتصرف بطباع أبي العنيدة، أتحدث بكلمات صديقي المميزة، أضحك مثل أختي، أحزن مثلما يبدو وجه ساكن فؤادي، أكتب كشاعري المفضل، أغني بصوت مطربي المحبب، ألبس ثياب تشبه ما ترتديه جارتي، وأسير بلحن الطيور. صرت انعكاسهم فلم يتحملوني.
تزيد الخيوط وثاقها، تتمسك الرمال بي، يبلغ الخذلان ذروته، لم ينقذني أحد، مددت ذراعي أطلب النجاة ففروا مني خوفا، ولم أستطع فك قيودي فأذوب معها.
أنا ثقوب الأرض التي نشأت من احتراق ما في الصدور وزلات الأعين، أنا البحر اللعوب الذي جمع أشرعة الشرق والغرب بضحكات أمواجه وانعكاس النقاء على صفحاته، حتى هبت رياح الحب ردتهم جرحى وثكالى، أنا لست سوى صاحب حانة الوحدة."
-نورهان عصام الدين