
أيّ إرباك يبعثه الكمال في هذا العالم المفطور على النّقص ؟! ذاك الكمال النسبي طبعا الذي تتوارى خلفه العيوب على نحو ذكيّ متخابث ليطلّ متشامخا فيتحدّى سنن الكون بصلف، مخيفون هم أولائك المتأنّقون تماما الذين يدسون نقائصهم خلف بدلات مكوية بحذر ويحيطون زلاتهم بياقة مطويّة بحرص، يزرّرون قمصانهم من الطّرف إلى الطّرف دون رحمة، ثمّ يوارون نزقهم بعطر فاخر يشتت الأرواح فتحتار أتنظر أم تنشِق! مع هؤلاء مساحة النقصان موؤدة تماما ، تتأمل وتتملى فلا تجد خطأ واحدا أو عيبا يتيما يطلّ من هنا أو من هناك ، كلّ شيء مرتّب بدقّة مخيفة تناقض قوانين العقل وحتميات النقص التي تقتضيها هذه الحياة ، وكمثل هؤلاء مُربكة هي تلك النّصوص كاملة القوام ومحكمة التأثيث قلبا وقالبا، تلك النصوص التي ينعدم فيها سقوط السهو بل السهو ذاته يسقط فيها، تأتي متأنّقة متخففّة من حمل العيوب ، تواري عن رهافتها برهافة جمالها، تشاكس وترواغ لتُسقط أمام البصر زلاتها الصغيرة وتميط عن البصيرة تناقضاتها العابرة ..تبّا لها لكأنها تجيئ لتربك لا لتبهر !!
كم هو عصيب هذا الكمال الظاهري ، عصيب هو ومربك ومرعب مادام عاكفا على طيّ مساحات الخطأ على نحو يشعرك أمامه بالاختناق والضّمور، ذلك لأنه لا يعدم الخطأ وحسب بل هو بذلك ايضا يغتال الانسانية مادام الخطأ أحد أهم تجلياتها، إنّ أي وجود في هذا الكون ينبغي ان يحمل عيبه فيه وبذور تناقضه معه سواء كان ذلك نصا أو انسانا او أي شيء آخر، هذا هو القانون ، لا بدّ من خطأ إعرابي هنا أو زرّ ناقص هناك او شعر معفر او فاصلة طائشة أو حرف ناقص أو كمّ مجعلك أو زلة تعبيرية أو فكرة ناشزة لا يهم، المهم أن تبقى المساحة مفردة لشيء من الخطأ لقليل من السهو وللكثير من الإنسانية..
لقد تعلّمت أن أخاف من الجمال الكامل، أن أرتجف أمامه ..ذلك لأن النقص في هذا النوع من الجمال فادح إلى أقصى الحدود !
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
مقال رائع .