رب ضارة نافعة
في هذه المسرحية أحداث تتكرر و وجوه تتشابه
نشر في 14 يوليوز 2018 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
عندما تقرأ مقالي قد تحس أنك الراوي في مشهد ما أو ربما في كل المشاهد ، فاليوميات تتشابه ،و الأحداث تتكرر ، بدون زمان أو مكان محدد ،مسرحية أتعبت المشاهدين.
المشهد الأول
جاوزت الساعة منتصف الليل لما دخلت العمة الغرفة بهدوء ،دنت لقريبتها مبتسمة وهي تراها منشغلة بهاتفها .
_لم تنامي بعد لوجي ؟
_كنت انتظر هديتي .
فتحت العمة الكيس الكبير و أخرجت موادا تجميلية كثيرة و بعض العطور .
_هذا كل ما طلبت .
_أشكرك جدا عمتي ،هذا أكثر مما طلبت .
_فعلا ما يكفي لإعادة دهان البيت، ألن ننام الليلة ؟ضحكتا بصوت منخفض لا أحد يريد إحداث ضوضاء في هذا الوقت المتأخر.
الهدوء الذي يخيم على المكان يوحي بأن الليلة ستكون هادئة .
تفاجأنا جدا من رنين الهاتف ، أجابت شقيقتي و أخبرتني بأن إبنة الجارة مريضة جدا،تسارعت الخطى نحو المنزل المجاور و القلوب ترجو خيرا.
يا نائم الليل مسرورا بأوله 📚📚 إن الحوادث قد يأتين أسحارا
المشهد الثاني
لما لمحتها ممددة على السرير لاحظت أنها جالت بنظرها لتعرف من القادم.
أخبرتنا الوالدة المرعوبة بأن ابنتها تحس بثقل في قدميها و بأنها تعاني من ألم شديد بالبطن،و مع غياب الزوج عن المنزل لم تعرف كيف تتصرف أبدا،ربت على كتفها و طمأنتها :ستكون بخير .
في بعض المواقف يحتار الإنسان بين المحافظة على هدوئه لتقديره بأن الأمر غير خطير فنقص الخبرة لا يمكنه من الجزم بصحة فرضيته وبين الخوف من اتخاذ قرار سيئ فسلامة الانسان أمر مهم ،يبقى خير قرار هو التوجه إلى المختص حتى يحكم بنفسه و يعالج أو ينصح.
جلست أختي إلى جانب الطفلة ومسحت برفق على جبهتها و سألتها عن موضع الألم ، ضغطت برفق عليه ثم قالت لها:
لا تخافي هدى أنت بخير.
_لا أستطيع تحريك قدمي.
مضى وقت طويل و هي تحاول تهدئتها ولكن الطفلة لم تهدأ و زاد قلق الوالدة .
_لننقلها إلى المستشفى كي نطمئن عليها. كنت متوترة جدا رغم محاولتي لتمالك نفسي.
_لكنها بخير أختي لا تخافي سأرافقها لتغسل وجهها.
_بل سأرافقها أنا ، أليس كذلك هدى فأنا صديقتك.
لم تكن الطفلة بخير أبدا ، نظرتها إلينا و نحن نقترب منها ، محاولتها لتمالك نفسها ثم انهيارها من جديد ، مراقبتها لرد فعل والدتها ،ادعاؤها للألم الشديد .
في موقف مشابه ،هل ستنتبه إلى تفاصيل صغيرة ؟
،هل مررت بهذا سابقا ؟هل تعاني الصغيرة نوبة هلع؟
أو ربما تحاول إثارة الانتباه .
يا إلهي ماذا لو كانت مريضة جدا .
ما يجعل طفلة في العاشرة من عمرها تمر بهذه الحالة ؟
ما أقسى قلوبا تدمر نفوسا بريئة !
جلست في محاولة أخيرة قبل نقلها للمستشفى،أمسكت رأسها بين يدي بقوة، حاولت أن أوقظها من حلمها المرعب.
_ اسمعيني جيدا ،سأرافقك إلى الطبيب و سيخبرك بنفسه بأنك بخير .
_لكنني أتألم.
_رأسك المسكين من يتألم صغيرتي ، لقد أزعجتك والدتك بالتأكيد ،ربما انفعلت عن غير قصد ، تستطيعين البكاء ،أنت طفلة صغيرة ،صغيرة جدا ، و والدتك تحبك جدا، جدا صدقيني.
بكت أخيرا ، بكينا كلنا ، لم نكن نجهل ما مرت به هذه الأسرة الصغيرة من مشاكل كبيرة، ما يخفيه هذا القلب من أحزان؟ ما تحملته هدى من ضغوطات يومية آذاها جدا ، وتلك الأم المسكينة هل يشعر أحدهم بألمها ؟ هدأت،نامت بين يدي ، كانت تتحاشى النظر إلى عيني، و كأنها أحست بعمق نظرتي ،برغبتي في سبر أغوار عقلها ، وكأنني أردت اجتثاث كل ذكرى سيئة تركتها نفس شريرة في أفكارها . حدثتها بصوت داخلي أردته أن يتسرب إلى روحها الطاهرة.
_هدى ،هدى ...نمت ، لا أعرف كيف أساعدك ولكن سأحاول بذل جهدي ،أنا في المنزل المجاور ،أخت وصديقة .
تخيلت كم تعاني هذه الأم لرؤية فلذة كبدها تنهار أمامها.
وعدتني بأنها سترافقها لعيادة نفسية قريبا جدا، ستجدنا معها بكل تأكيد،نشد على يدها . أذن الفجر ودعوت الله أن يشفيها .تساءلت في قرارة نفسي ، هل سيحس من تسبب بهذه المعاناة للأسرة الصغيرة بحجم ظلمه ؟
المشهد الثالث
نظرت إلى لجين و هي نائمة بجوار كيسها العزيز، محظوظ جدا خطيبها فقد حصل على جوهرة نادرة ،متأكدة من أنه يعلم ذلك تماما ، أمضت المساء و هي ترسم لوحات على وجوهنا ، ما أسعدها الآن بكل تلك الألوان ،لكن هل هي سعيدة حقا ؟مازلت غير واثقة من تخطيها لما مرت به في حياتها ،همست :أنا بجانبك دائما صغيرتي،لا تعتقدي بأنني لا أشعر بمدى تعبك وأنت تحاولين تخطي العقبات ،عقبات كانت أكبر من سنك ،عقبات تركت بصمتها على تلك الإبتسامة العابسة ، آه لو تعلمين صغيرتي بأنك قطعة من قلبي.هل كنت لأشعر بحزنك لو عشت حياة مختلفة ؟ أشك .
في مشهد مختلف
فتحت الستارة على جلسة شاي، متعب جدا أن تقرأ أفكار الآخرين ، متعب أن تتوقع ردات الأفعال و أن تتأكد توقعاتك في كل مرة .
_سأزورك قريبا أكدت لصديقتها التي تعرفت عليها منذ شهور .
للأسف تسرعت بالحكم عليها فبساطتها لا توحي بالكثير ، الآن تحاول تدارك موقفها فالمصالح و المراكز تغير المعاملات كثيرا .
_يا بنتي اقعدي ، ماشي هاربة هيا .
أعادني الصوت من شرودي، لم أكن أستطيع أن أقول هذه الجملة أبدا ،ابتسمت ،لم أكن الوحيدة التي انتبهت بأنها تحاول يائسة تحسين صورتها ، هل تحس صديقتنا ذات إحساسنا ، ربما فالوجوه تتشابه كثيرا.
مازال الستار مرفوعا !
كم من مواقف تعرضت إليها وكادت تحطم معنوياتك لتجد أنها درس إستفدت منه و أنقذك في مواقف أخرى؟
كم من وجوه أتعبتك و لكنها تشابهت مع وجوه أخرى جعلتك لا تنخدع بالابتسامات و لا تتسرع بالحكم على الآخرين؟
هل استطاع أحدكم أن يحس بمعاناة شخص آخر لأنه مر بذات التجربة؟
هل تحاول إخفاء وجهك كي لا ترى بقية مشاهد المسرحية ، المصالح و النفاق و الأنانية ، هل تتأنى في الحكم على ظواهر الأمور و تميز بين الوجوه ؟
قل معي "رب ضارة نافعة ".
التعليقات
كلمات صادقة لمستني وأظن أنها لمست الجميع.
أبدعتِ كالعادة. بالتوفيق وفي إنتظار كتاباتك القادمة.
جميلة وأنت تنتقلين بين الأسلوب المسرحي والقصصي..دائما وأبدا سأحب القراءة لك،فأنا من المعجبين بقلمك و...بحكمتك،دمت في حب غاليتي
لكى اسلوبك المميز و الجميل في كتاباتك سلسبيل