القوة وما يعدون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

القوة وما يعدون

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 27 ماي 2021 .

القوة وما يعدون

هيام فؤاد ضمرة

27/5/2021م


وإنما النصر فمن عند الله، ولا ننال النصر إلا مع الشجاعة والإرادة الحرة والصبر، والصبر مهما طال أمده وتعنَّت تحقيقه، فعندما يتحقق النصر على أرض الواقع، يُصبح كأنما هو ليس إلا صبر ساعة وانقضت، تماما كما حصل حين تم تحرير البلاد من الاحتلال الصليبي المقيت وتحولت تلك الفترة بعد انسحاب فلولهم إلى مجرد ذكرى ملطخة بالسواد ليس إلا، وإن كانت الأقلام بهذا الزمن لن تترك شاردة ولا واردة، إلا قلبتها ذات اليمين وذات الشمال، وبحثت بها ودرست ظروفها.

ولا يشكل النصر العسكري في معركة أو حرب نصراً نهائياً، أو نصرا استراتيجيا وطنيا إلا ضمن تحقيق أهداف مهمة هي أساسية، فعبارة النصر تأخذ مدلولات معنوية أكثر منها مادية، وتحمل بعداً وجدانيا وعاطفياً أكثر منه بعدا مادياً، فهذه المدلولات مرتبطة ارتباطا مباشراً بالتضحيات، والبطولات، وإرادة الصمود، ثم بتحقيق الأهداف الاستراتيجية ذات الأثر المعنوي والمحسوس على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، عدا عن بناء الاستعدادات لخوض المعركة، وتجاوز أصعب التحديات، إضافة إلى مثاليات المقاصد من خلال الاشتغال على إعداد القوة وتجهيزاتها في أحلك الظروف وأضيقها بإصرار عجيب.

وصبر الفلسطينيين لا يعد بالساعات ولا بالأيام ولا ببضع سنين، صبرهم طال بعمر الانتظار، وسنين الاعتماد على من هم فشلوا بإسناد العماد ومساندة الأوتاد فتداعى البيت وسقط على أهله، فقد تجاوز صبر الفلسطينين السبعين حولا مما تعدون،

صبروا حتى صرخ الصبر وتمرد، وحين احتكموا العقل والعزيمة، وأعدوا عدتهم وعتادهم، وتجهزوا لمعركة المواجهة بالمتوفر القليل دون عون ودون دعم، بل وتجاوزوا أذية القريب قبل العدو، وافتعالهم الأسباب من وهم الذيوع، وبرغم الحصار الذي أغلق عليهم الأنفاس برا وبحرا وجوا، ومعاداة الأهل والجيران وإحكام الاختناق، من الذين ناصروا العدو المتعدي، وآذوا الأحرار المتصدين لعدائه واعتدائه،

وحين خاضوا المعركة بشرف الشجعان وإخلاص المؤمنين صمدوا صمود الأبطال، لم يعيروا بالاً لصمت المُطبعين والمتخاذلين، ولا لتخابيص المخبصين الرخيصين.. فانتصروا النصر المبين بعقيدة الشرفاء المؤمنين.

أما الجمع الغاصب المحتل الظالم فهزموا هزيمة الفئران، وولوا الدُبَر مذهولين مرتعبين ينوحون نوح جبن المفجوعين، وللتنفيس عن صدمة القيادة العسكرية والسياسية للعدو، وإحباطهم أمام رشقات الصواريخ العائدة إليهم من حر مالهم، قصفوا أبراج غزة ليس على أمل الحصول على الضغط من الشعب على قياته كما يدعون، لأن شعب غزة شعب الجبابرة الأبطال أحرار حتى العظم، بل لأن الأعداء غارقون بالعنصرية والأوهام حد وقوفهم ضد الحضارة المدنية الغزاوية التي تغيظهم، فأهالوا بيوت المدنيين الآمنين على رؤوسهم دون أن يردعهم ضمير إنساني ولا أخلاق مقاتلين شرفاء، فشرفهم الإنساني مهدور بانحدار عقولهم، والغدر فيهم غير محظور، لأنهم أصلا لا إنسانية فيهم.

انهالت الأبراج، وعلت بالمقابل همم العزائم عند الغزيين ومعهم أهلهم الفلسطينيين بعلاقة عكسية واضحة المعالم، فقد انتصرت غزة لنداء الاستغاثة من المرابطين في القدس والأقصى، والمتأذيين في حيفا ويافا واللد وحي الشيخ جراح والضفة وكل الأحرار .. انتصرت المقاومة الفلسطينية على المحتل الإسرائيلي الغاصب بتحطيم هيبته، وكشف صورته الحقيقية، وبيان هشاشته وضعف انتماء أفراد جيشه، وتردية في تيار الخوف والارتجاف حد بكاء البعض، انتصرت على وهم القبة الحديدية، ومعه انتصر على جمهور المُطبعين الذين لزموا الصمت كأن ألسنتهم ثقلت وارتخت، وكأن أسماعهم أصابها الطنين ..

كان لا بد للبرج أن ينهار مع الأسف لمالكه، وكان لا بد للطفل أن يستشهد مع الاعتذار لوالديه، وللنساء والشيوخ والشباب أن يرتقوا إلى الشهادة، وللعروس أن تزف بكفن أبيض إلى حور عين، ليستيقظ ضمير من تبقى من أحرار، ومن تأثروا بألاعيب كلاب الاستعمار.. أما من هبطوا إلى أسفل السافلين للدرك اللعين، فليزيدهم الله انحطاطا واذلالا واعتلالا، ونسأل الله في أن يزيدهم الله وبالا وخزيا وانتحالا.

انهارت أبراج ودور وعمارات، وهدمت جوامع ومدارس ومحال، وعم الدمار والخراب لأن دولة الاحتلال فقدت صوابها واختل ميزان عملها العسكري فتوهجت نحو المدنيين المكشوفين الوحيدين لسلاحها الغالي الثمن، ولا بأس أن ينهار ما ينهار، أحياء أو مدن، وتدك البيوت فوق رؤوس العباد، ويستشهد من يستشهد من فالتحرير والنصر لا يمكن تحقيقه دون الغالي والأغلى من الأثمان، والكثير من التضحيات، وسيول تجري من الدماء.

فغزة في كل مرة اعتادت أن تنهض من كل كبوة أقوى وأشد بأساً وعزما، وأن تعمر ما ينهار بسواعد الرجال الأحرار، بينما تنجب النساء خيرة الرجال مشاريع للشهادة وللقيادة وعقول عبقرية مهمتها التصنيع والإعداد للنصر، وكأنها عنقاء تخرج من تحت الرماد، فيعيدوا نبض الحياة إلى غزة رويدا رويدا، من خلال وضع المدماك على المدماك حتى يعلو ثانية البناء، يتكاتف أبناؤها لإعادة ملامح البهاء إليها، وإزالة آثار الدمار عن مختلف مناطقها وشوارعها، يحركهم الحماس والعزيمة، نفس تلك الدوافع التي دفعتهم للصمود، ولمواجهة قصف إسرائيلي شرس ومتوحش على مدى أحد عشرة يوما، تحملوا خلالها من المعاناة، وترقب المجهول ما لا يمكن تخيله، كما وصفها الكثير من أهل الضمير الحي في العالم، وكما شاهد العالم بأم أعينه وحشية عدو الإنسانية، وما سجلته كافة التقارير المحلية والدولية.

التقارير الرسمية أشارت إلى استشهاد أكثر من 270 فلسطينيا وإصابة آلاف المدنيين العزل في الضفة والقدس واللد وغزة، كما وأبيدت أسر بأكملها في غزة، وتشردت مئات العائلات في العراء بلا مأوى ولا ممتلكات شخصية، وحسرة في القلب على تبدل حياتهم،

لكن إصرار أهالي القطاع على البقاء لا تضاهيه قوة إرادة ولا اندفاع عزم، يصرون على إعادة البناء دون أن تهمد لهم قوة أو تتردى لهم دافعية، ولا أن تهتز لهم إرادة، ومن تحت رماد الحريق، وأنقاض المباني المدمرة خرج الفلسطينيون رافعين علامة النصر بكل فخر، متوعدين العدو بالقادم الذي سيدهشهم اكتشافه كونه غير المتوقع.

فما أن أشارت عقارب الساعة إلى الثانية فجرا وأعلن عن وقف النار، حتى اندفع آلاف الفلسطينيين والغزيين في مسيرات حاشدة تجوب شوارع فلسطين والقطاع احتفالا بتحقيق النصر، وتحقيق كافة الأهداف الموضوعة، وبجهد المقاومة وحدها التي أبلت بلاءا حسنا مشرفاً، وحققت العديد من الانجازات التي فشلت بتحقيقها دول وجيوش نظامية.

ويكفينا فخرا أن الغزيين خاضوا المعركة انتصارا لنداءات المقدسيين المرابطين، ولأهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، لنصرتهم في وجه اعتداءات اسرائيلية لاحتلال منازلهم وطردهم منها إلى الشارع، وتقاعص الحكام المسؤولين عن نصرتهم،

صدحت مكبرات الصوت في المساجد في غزة بالتكير والتهليل ابتهاجا بانتصار المقاومة التي أعطت دولة الاحتلال درسا في الانتماء والكفاح والجهاد لا يمكنها إدراكه ولا فهمه.

فإذا كان الغزيون المتضررين بالحرب ماديا ومعنويا وأرواحا وحصارا احتفوا بانتصارهم للقدس.. فأين نحن من هذا الانتصار، اللهم اجعل قلوب شعوب العرب قلبا واحدا على أعداء الأوطان، فلا أرانا الله ببلادنا الضر ولا بقيادات المقاومة الحرة الشريفة سوءا، وأدام الله عليهم فخرهم وعزهم لشعبهم الأبي.. فقد منحونا فرحة النصر بالعيد ورفعوا رؤوسنا عالياً، ربي يحميهم ويبعد الأعداء عنهم، القريب منهم والبعيد، ويحميهم من غدر الخائنين.

الآن يعلم العالم أن المقاومة لو وجدت من يدعمها ويساندها لحققت الانتصار الكامل والتحرير الشامل.. ولا نستطيع التوضيح أكثر في هذه المرة، لكن المستقبل كفيل بإلقاء الضوء الكاشف على الحقيقة الكاملة، وتساقط الحشرات اللاسعة بأقل بخة مبيد,


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 27 ماي 2021 .

التعليقات

Dallash منذ 3 سنة
في يوم من الأيام، سيكون أول ما يضعه الفلسطينيون هو النقطة،، لأنهم عرفوا معنى هدر الفواصل دون جدوى.
مقال واقعي رائع...بوركت
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا