قالت صديقتي لي ذات يوم ، بينماكانت تهم بالانتحار من أعلى الجسر قفذا : "وحدهم الضعفاء فقط ، من يخلصون فى الولاء لشئ ما ، شئ لا يعير لوجودهم ادنى انتباه ، شئ مثل الحياة " ..
لم تعلم قط بأن رؤيتها تهوي من ذلك الجسر ، كانت كوقع طلقة تبحث عن مستقرٍ فى رأسي ، لم تعلم شيئا سوى ايمانها فى خيانة تلك الحياة ..
مضت الايام و توالت منذ ذلك الحين ، و كمضي القطار توالت المحطات ، فصرت زوجا فأباً . لم يكن ينازع شقاء يومي سوى الاطمئنان على راحة عائلتي ، و لكن كان يشغلنى دائما ما الذي سأتركه من ورائي كإرثٍ لمن سيلحقني فى الحياة ..
صنعت ما صنعت لتلك العائلة ، فكان ولائي الوحيد لهم ، كولاء كوكبٌ يدور فى فلك نجم ما ، يبقى ولائي بلا ثمن ، سوى وجودنا سوياً فى دوائر كونٍ فسيح ، لعله يفيض بأمثالنا ، لكن لا نرى غير سوانا فيه .
رغم انتحار صديقتي غرقا ، أقسمت بأن اعهد البحر ليعهدنى ، لم أكن سوى صائدٍ لرزق عائلته من انياب قدرٍ مُتقلب ، تجسده أمواج صعودا فهبوطا ، تتثاقل على من لا يألفها حتى ييأس من توالى وفودها ، و يعتاد عليها من يألف فلسفتها و قوانين منطقها .
فى يومٍ عاصف كمثل ما اكتب فيه اليوم ، اخبرني عجوزاً شيبه البحر عمرا ، "المصير سائل ، وحدهم الرجال قادرون على صلبه " .
لم أعي وقتها ما كان يقصده بسائل !؟ ، أيقصد ان مصير المرأ بحرا باتساعه !؟ ، التقط يومها العجوز ملامح اضطرابي ،فاردف ايضاحا ، " مصير الرجل سائل كمعدنٍ منصهر ، يهيج احمرارا ، لك حرية تشكيله و ثقله ، و وحدك من تستطيع ذلك سواء قصدت أم لا ".
لا اعلم لما تأتيني تلك الهمهمات برأسي الان ، فرغم تقلب قاربي فى تلك العاصفة اللعينة ، لكن يُحيني أمل لقائي بمن واليت مجددا .
حسنا ، كل ما اعرفه ، بأنى ولدت ذكرا ، حاولت أن أعيش تلك الحياة كرجل ٍ ، لكن ذلك لم يكن كافيا لي ، فلعلي القى اليوم منزلة الموت كرجل صالح فى سبيل ما يؤمن ..
يتهاوي جسد سفينتي الان و أشعر بتشقق اخشابها ، لكن بعد أن انتهى من تلك الرسالة و قبل أن يجف حبرها ، سأنازع قيادتها مع امواج البحر و ضربات العاصفة ، لعلي ألقى ما القى كرجل صالح ،صلب انصهار مصيره .
التوقيع :
رجل يصنع مصيره
-
عمرو الداليمدون مصري