أعاد خبر فوز الأحزاب اليمينية المتطرفة في انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي إلى الأذهان كيفية وصول هتلر إلى السلطة عبر مسار ديموقراطي سرعان ما انقلب عليه، ليكون نظاما استبداديا فاشيا من أكثر النظم التي شهدتها البشرية ظلما وظلامية، فكانت الديموقراطية ضحية نفسها حيث أنه على الرغم من وصول هتلر لسدة الحكم عن طريقها، إلا أنها لم تتلقى منه جزاء سوى النكران لها والانقلاب عليها وتحويل وجهة بلاده عنها ليرسخ فيها النعرة القومية العنصرية القائمة على فكرة تفوق العنصر الألماني على ما عداه من العناصر ، ليسوق بلاده لحربي عالمية لا تبقي ولا تذر ، سامت بلاده جرائها سوء العذاب وقسمت وقزمت على اثرها.
وها هو المشهد يعيد نفسه مرة أخرى، فعندما تطالعنا الأخبار بصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وبروزها بشكل غير مسبوق وتحقيقها لنتائج تاريخية في انتخابات البرلمان الأوروبي، فلا نستنتج إلا أن التاريخ الأوربي يسير على نفس الدرب الذي سار عليه هتلر سابقا.
فهذه الأحزاب تتشابه في كثير في من خصائصها وسماتها بخصائص وسمات حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني "الحزب النازي "، فمن إعلاء النزعة القومية، واتباع سياسات عنصرية رافضة "للأخر"، والدعوة إلى حصر التواصل مع أبناء عنصرها المتفوق دون العناصر الأخرى، ورفض للمهاجريين، ونبذ خطاب السلم واللجوء للحوار وضبط النفس في حل الأزمات التي تنشأ بينهم وبين القوميات الأخرى.
الأمر الذي يبشر ب"شتاء هتلري " جديد يسود أوروبا ، القارة التي التي نجحت الأحزاب التقليدية بها أن ترسخ خطاب سلام قوامه قبول الأخر والانخراط في منظومة عالمية تعلي مبادئ العدل والمساواة وتعلي من أهمية الكفاءة ومدى الفاعلية والتأثير في تصنيف بني الانسان، لا مبادئ العنصر والعرق والقومية التي لا نتيجة من ورائها سوى الحروب والصراعات واستنزاف قدرات الانسان في حروب بعيدة عن حربه الخاصة المتمثلة في السعي لتحقيق الرقي والرفاهة للبشر كافة.
فعلى الرغم من صعود اليمين المتطرف عن طريق سبل ديموقراطية تتمثل في الانتخاب كسبيل لاختيار الشعب صاحب السيادة لنوابه الذين يتصرفون بأمره، ويتحدثون باسمه، ورغم أن البعض يفرق بين الأحزاب اليمينية المتطرفة وغيرها من الأحزاب الأكثر تطرفا في أن الأولى ترتضي الديموقرطية ولا ترى حرجا في الانتخاب كوسيلة للوصول للسلطة، إلا أن خطابات هذه الأحزاب العنصرية والرافضة للأخر "خاصة المهاجرين"، واتخاذها من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها دول أوروبا كوسيلة لتمتطي عليها جواد السلطة من خلال شعارات رنانة جوفاء لا تحمل في لبها جوهرا حقيقيا قابلا للتنفيذ، حيث أنه على الرغم من مهاجمة هذه الأحزاب للأحزاب التقليدية الأوروبية لفشلها في حل الأزمة الاقتصادية مرجعة سبب فشلها في عدم قيام هذه الأحزاب بإقفال باب الهجرة الخارجية إلى الدول الأوروبية، وإلى الأثر السلبي الذي يرونه من وجهة نظرهم لسياسات الاتحاد الأوروبي، حيث يرونه مقلصا لسيادة حكومات بلادهم على الشؤون الداخلية والخارجية لها، وطامسا لمعالم قوميتهم ، ومتخذا لسياسات اقتصادية اثرت سلبا عليهم مخلفة البطالة والتقشف بأوطان، إلا أنهم في حقيقة الأمر لا يمتلكون رؤية واضحة لحل ما سموه الأزمات الناتجة عن حكم الأحزاب التقليدية الأوروبية وسياسات الاتحاد الأوروبي إلا شعارات رنانة عنصرية بطبعها ، مخيفة في واقعها، مشابهة تمام الشبه لتلك التي تفوه بها هتلر سابقا في الماضي منتهزا الأزمة الاقتصادية حينها.
فما أشبه اليوم بالبارحة ويا حسرة للديموقراطية الأوروبية ، فما أن تحكم هذه الأحزاب فسرعان ما ستسير مسرعة على خطى النازية والفاشية مطيحة بالديموقراطية ذاتها، ومخلفة لكثير من الحروب والأزمات لا يعلم كنهها إلا الله.