بين الأتان و الحمارْ كان هذا الحوارْ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بين الأتان و الحمارْ كان هذا الحوارْ

  نشر في 12 أبريل 2015 .

                                                                  بين الأتان و الحمارْ كان هذا الحوارْ


على مشارف المدينة ، كانت هناك حديقة للحيوان ، توزّعتْ على جنباتها أنواع كثيرة من الحيوانات

و أصناف متعدّدة من الطيور ، وفي الجهة الخلفية لمكتب إدارة الحديقة ، كان هناك سياج بداخله حمار يصول

و يجول لمفرده كيفما يشاء غير عابئٍ بشتّى الاحتجاجات منْ أصوات الحيوانات التي كانت تأتيه من زوايا

غير بعيدة ، و فجأةً توقّفتْ أمام باب حظيرته شاحنة من النوع الصغير ، لتخرج منه الأتان ذات الخطوط

المزركشة ، في الأول لم يصدّق الحمار ما تراه عيناه ، ظنّاً منه ، أنّ الإفراط في أكل البرسيم أثقل فطنته

و أغشى بصيرته ، بحيث لمْ يعدْ يميّز بين الألوان ، لكن سرعان ما تجلّت الحقيقة ، فعندما ذهب الجميع ، بدأت

الضيفة الجديدة تستكشف المكان يميناً وشمالاً ، ليبادرها الحمار بكلّ عفويّة قائلا ً :

- الحمد لله أنّهم أخيراً اعترفوا بظلمهم للحمار ، فاعترفوا بقيمتي وكياني .. ففي كلّ يوم يأتون لي بالبرسيمِ

و العلفِ و القطاني .. ولكيْ يكفّروا عن ذنوبهم جاءوا هذه المرّة بهديّةٍ ، جاءوا إليّ بأجمل عروس رأيتها في حياتي ..

فيا مرْحبَا و يا ألف مرْحبَا .


الأتان :

- هوّنْ .. هوّنْ على نفسك .. ولا تستبق الأحداث .. و عليكَ أنْ تعلمْ أنّ حوافري الخلفيّة ستخلّطُ وجهك تماماً

 إذا  حاولتَ أو فكّرتَ في الاقتراب منّي .


الحمار متفهّماً تمنّع الإناث :

- قلْ لي بالله عليكِ .. هل أنتِ سوداء مخطّطة بالأبيض ؟ أمْ أنّكِ بيضاء مخطّطة بالأسود ؟


الأتان :

- سبحان من يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل .. قلْ لي قبل كلّ شيء .. هلْ توجد في هذا الحديقة سباع 

أو فهود و نمور؟


الحمار :

- نعمْ .. نعمْ .. أسمع أصواتها من حين إلى آخر ولكن لا تخافي يا عزيزتي فهي رهينة أقفاصٍ محكمة الإغلاق .


الأتان :

- الآن فقط فهمتُ لماذا يغدقون عليكَ بأطايبِ الكلإ و الحشيش ؟

ولو كنتُ مكانك لتظاهرتُ بالمرض و الهزال .. لأنه كلّما زاد وزنكْ و انتفختْ أوداجكْ إلاّ واقتربتْ ساعتكْ .


الحمار غير عابئٍ بكلامها :

- اليوم علفٌ و حشيشْ .. وغذاً شهيقٌ و نهيقْ .. صدّقيني يا ملاكي الآن لا تنقصني سوى الخلفة و العيال .


الأتان متهكّمة :

فهمتُ الآن لماذا أذناك طويلتان ؟ قلْ لي ماهو أصلك ؟ أراكَ أسود اللّون بينما فمكَ أبيض !!!


الحمار مبتسما ً :

هو نفس السؤال كنتُ سألته جدّي عندما كنتُ جحشاً صغيراً .. فأجابني :

الأصل هو الماء والغرض هو جرّ الأثقال وحملها منذ فجر التاريخ ..

أمّا عن بياض الفم فذلك وشمٌ أصيلٌ يرمز إلى صبرنا و تجلّدنا و براءتنا نحن معشر الحمير .


الأتان :

- لستُ أدري لماذا جدّكم الأول لمْ يتّبعْ خطّة جدّي الأوّل ؟؟ ..

وهو الفرار إلى الأعالي و الاختباء في البراري ..

فاللهمّ الوحوش و الضّواري ولا الذلّ و الهوان البشري .


الحمار :

- ربّما جدّي الأوّل كان مجْبولاً على مدّ ظهر العون ..

فصرْنا على أثره تابعين .. من السوط خائفين ..على الظلم صابرين.. لله محتسبين .

في هذه اللحظة مجموعة من الزائرين بدأوا يتوافدون على الحظيرة ليتابع الحمار كلامه قائلا لها :

- انظري .. كأنّي بهؤلاء الزوار قادمون لتهنئتي بانضمامكِ إليّ يا ملاكي .


الأتان :

- ولماذا أحدهم يحمل هراوة و الثاني يحمل حبلاً و الثالث يحمل عصابة العينين ؟؟؟


الحمار وقد اختلطتْ عليه الأوراق :

- أيْ نعمْ .. ربّما أرسلهم البيطري ليجرّوا أحدنا إلى العيادة من أجل الفحوصات .


وبالفعل دخل الثلاثة فوضعوا الحبل في عنق الحمار .. و العصابة على عينيه ..وأخدوه كرْهاً والمسكين لا يدري

أنّ مصلخة الحديقة بانتظاره و أنّ كلّ ما أكله من علف و برسيم سيوزّع لحماً طريّا على السباع و النمور الجائعة .


أمّا الأتان فقد ودّعته بحسرة قائلة :

- رحماك يا هذا .. عشتَ حماراً و تموت حماراً .. وهذا ما جناه عليك جدّك الأول .                    



بقلم : ذ تاج نورالدين .



  • تاج .. نورالدين .
    محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...
   نشر في 12 أبريل 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا