تؤدي البرامج الحوارية دوراً جوهرياً في البرامج المعدة في التلفزيون، وذلك من خلال تحقيق المشاركة الجماهيرية في أبداء الأراء وتقديم المقترحات، فيما يتصل بالموضوع المطروح للنقاش أن كان سياسياً أو غير ذلك، ولذلك تفرض تلك البرامج نوعاً من الحوار كأحد أشكال البرامج التي تسعى لتحقيق هدف معين في حول تشكل الوعي لدى المشاهدين في القضية المطروحة للنقاش. وانطلاقاً من سعي البرامج الحوارية لتحقيق أهداف معينة منها تنمية الوعي السياسي لدى المشاهدين حول قضية ما، فإنها بذلك تحقق مرادها من خلال الحوار والنقاش والوصول لدلالات حول القضية المطروحة للنقاش.

والجدير بالذكر أن البرامج الحوارية تعطي انعكاساً لاتجاهات القنوات الفضائية، لاسيما بعد الأحداث الحاصلة والجديدة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وهنا التركيز على القنوات الفضائية، أي المتمثلة بالبث الفضائي، حيث ساعدت على التواصل والاتصال الانساني والحضاري بين مكونات المجتمعات الانسانية، وهذا بدوره أدى إلى تفعيل وترسيخ البرامج الحوارية والقضاء على فاصل الحدود والجغرافيا والزمان والمكان.

وانطلاقاً من هذه الرؤية يستطيع مقدم ومعد البرامج الحوارية أن يستضيف الشخصيات من مختلف أنحاء العالم بغض النظر عن المكان والزمان، وأن يوفق بين تلك الشخصيات من دول مختلفة ضمن برنامج حواري واحد وعبر البث الفضائي عن طريق الأقمار الصناعية، ويجري الحوار معهم مما يؤدي بالنتيجة للحصول على جميع المعلومات في الحوار الدائر في القضية المطروحة، وتفنيد الآراء بشكل مباشر ومن عدة مصادر، وهذا ينعكس بالنتيجة على المتلقين لتلك البرامج، مما يؤدي إلى تنمية اتجاهاتهم نحو القضايا المطروحة، بالإضافة إلى تنمية اتجاهاتهم نحو صيغ التفاعل المجتمعي والانساني على حدا سواء.

وتجدر الإشارة إلى أن القنوات الفضائية تمثل الجوهر الرئيس في عمليات الاتصال والتواصل والتلاقي بين الجماهير، وتمثل أيضاً خطورة في آليات تشكيل الوعي السياسي في ظل ما يحصل من تتطورات وأحداث في المسرح العالمي. حيث تتميز القنوات الإخبارية بالقدرة على اكتساب المتلقي والتأثير في أراءه، وتوجيه وعيه السياسي اتجاه الأحداث بما تراه مناسباً في الموضوعات المطروحة للنقاش، أن كانت سياسية أو اجتماعية، أو ثقافية.

ومن هذا المنطلق فإن البرامج الاخبارية في قناتي الجزيرة والعربية تلعب دوراً محورياً في تنمية الوعي السياسي للأفراد، من خلال ما تقدمه من برامج مثل برنامج الاتجاه المعاكس، وبرنامج بلا حدود، وبرنامج العين على الجزيرة، في قناة الجزيرة الفضائية، بالإضافة إلى برامج قناة العربية الفضائية، مثل برنامج حديث الثورة، وبرنامج الصندوق الأسود، وبرنامج الواقع العربي، وغيرها من البرامج، حيث أن هذه البرامج تعكس آراء المتلقي وتشكل لديه وعي اتجاه نوعية البرامج المعروضة، مما يساعد في زيادة تنمية وفهم وتطوير الوعي السياسي بين مكونات المجتمع.

ويمكن الإشارة إلى بعض التعريفات التي تطرقت لماهية الوعي السياسي وعملية تنميته من خلال البرامج الاخبارية في القنوات الفضائية، حيث أشار (منصور) إلى أن الوعي السياسي يتجلى في معرفة المواطن لحقوقه السياسية وواجباته اتجاه مجتمعه والمجتمعات الأخرى، كما بين (Balzarini ) أن الوعي السياسي هو قدرة الفرد على إدراك الواقع المحيط وما يحصل على المسرح العالمي من أحداث. كما أشار (Hodges) إلى مفهوم الوعي السياسي من خلال اكتساب الفرد للخبرات السياسية، وإدراك مشكلات المجتمع السياسي الكلي.

وعليه فإن البرامج الحوارية ضمن ما تعرضه تلك القنوات يتقد نصائح إرشادية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للمتلقين، وذلك من خلال الأبعاد الخفية التي تحاول تلك القنوات من خلالها تضليل الجماهيلر المتابعة لتلك البرامج سواء بقصد أو دونه كما ذكرنا سابقاً، وعلى سبيل المثال لا للحصر كأن تكون القضايا المطروحة محل النقاش متشعبة وتحتوي على مجموعة مغالطات، أو التهرب من طرح قضية تمس مجتمع من المجتمعات، كما يحدث الأن في قضية قطر، وما يتصل بدول الحصار عليها، وأيضاً هناك مغالطات في عملية إعداد البرامج الحوارية، ممكن أن يرجع ذلك إلى معد تلك البرامج أو مقدم البرنامج، أو يرجع ذلك إلى سياسية القناة الفضائية.8

وبناء على هذه القراءة فإن الدراسة المنهجية العلمية للظاهرة الإعلامية الجديدة المتصلة بدور البرامج الاخبارية في تنمية الوعي السياسي، توجب أن تبحث هذه الظاهرة بوصفها ظاهرة مستقلة ومتميزة نسبياً تمتلك خصائص وسمات محددة يجب دراستها دراسة ميدانية لقياس درجة استجابة المتلقي لهذه البرامج ومدى تأثيرها على وعيه السياسي.

وبناء على كل ما سبق ينبغي أن تكون البرامج الحوارية المتصلة بالجانب السياسي أكثر تنوعاً في موضوعاته بما يتناسب والغايات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية في المجتمعات الإنسانية، وخاصة ما يدور الأن في المنطقة العربية والعالم؛ وهذا يعني أن البحث في دور البرامج الاخبارية في تنمية الوعي السياسي له مبرراته في ظل ما يُطرح على الساحة الإعلامية والصحافية من سياسات تتصل بضرورة دراسة هذه الظاهرة ميدانياً؛ حتى نتمكن من قياس مدى تأثيرها على المتلقي.