من مواصفات الدستور الناجح.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

من مواصفات الدستور الناجح..

خصائص الدستور الإيجابي

  نشر في 07 ديسمبر 2014 .

إن الدستور كقانون أساسي ونظام سياسي يُحدّد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ويرعى حقوق المواطن وحرّياته؛ مرهون نجاحه بمدى استيعابه لعديد المواصفات المرعية في مضامين نصوصه وقواعده، وإني أعتقد أن الدستور الذي لا يُراعي مثل هذه المواصفات لن يُكتب له النجاح طويلا...

هي حقيقة مئنّتها (علامتها) مشاهد واقع الأمم والدول، التي انقلبت على دساتيرها وعملت على تغييرها إنْ بالأسلوب السلمي أو بأساليب الضغط والقوة والحراك الشعبي...

إن الشعوب لا ترتجي من حكامها وزعمائها غير رعايتها على نحوٍ تنتظم معه معايشها دون فطور أو خلل، وتستقيم به أحوالها، تنعم بالرفاء (الانتظام) والرفاهية والعدالة الإجتماعية... وما وضع القوانين - وفي مقدمتها الدستور- إلا السبيل الأمثل لتجسيد ذلك.

بداية، وقبل سرد مواصفات الدستور الناجح؛ علينا أن نتفق على أن الدستور هو صناعة شعبية (صناعة الشعب)؛ من حيث أن الشعب هو مصدر السلطة، هو من يُسيّر الدولة بمفهومها الإداري الضيق (هيئات السلطة المركزية وهيئات السلطة المحلية) أو السلطة التنفيذية بمفهومها الدستوري؛ يُسيّرها عن طريق ممثليه في المجالس المحلية المنتخبة (المجلس الشعبي الولائي والمجلس الشعبي البلدي كما في دولة الجزائر مثلا)، وممثليه في المجلس التشريعي الوطني (البرلمان بغرفتيه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة كما في دولة الجزائر مثلا).

بل وفي السياق ذاته؛ نجد أن أعضاء الحكومة أيضا يصنعهم الشعب؛ طالما أن هذه الحكومة تُعبّر في حقيقتها عن التشكيلات السياسية التي اختارها الشعب وصوّت عليها في الاستحقاقات الانتخابية، كذلك رئيس الدولة يصنعه الشعب أيضا؛ من حيث أن هذا الأخير (أي الشعب) هو من يختار رئيس دولته بإرادته الحرّة والنزيهة عن طريق الاقتراع العام السّرّي والمباشر.

باختصار إن الدولة بمفهومها المُشار إليه آنفا مصدرها الشعب، وتُعبّر عن انشغالات الشعب، وتُجسّد إرادة الشعب؛ ولهذا نجد أن الدساتير لا تُغفل النص مثلا على مبدأ: "الشعب مصدر كل سلطة"، ومبدأ: "استشارة الشعب عن طريق الاستفتاء"، ومبدأ: "حرّيّة الشعب في اختيار ممثّليه"، ومبدأ: "حقّ الشعب في مراقبة عمل السلطات العمومية عن طريق ممثّليه"... ونحو ذلك من المبادئ التي يُمكن استخلاصها من نصوص الدستور وأحكامه.

وفيما يلي بعضٌ من أهم المواصفات التي ترتقي بالدستور بامتياز، وتضمن له النجاح

والاستمرارية في وجه صروف الواقع ومشاهده المُتقلّبة:

- الصدق مع الشعب، وحسن النية وسلامة المقصد من وراء التعديل بعيدا عن الحسابات السياسوية الضيقة والمصالح الشخصية التي لا تخدم طموح الشعب، ولا تعكس تطلعاته ونتاج التحولات الاجتماعية التي أحدثها.

من المهم أن تضع السلطة السياسية الحاكمة الشعب في صورة واضحة المعالم والمضامين والمرامي؛ لا أن يُسيّر الشعب وفق أمزجة السياسيين ومصالحهم السياسوية.

- أن يكون دستورا توافقيا يعكس التركيبة السياسية والفكرية والإيديولوجية للشعب، دستور لا يُوالي شريحة من الشعب على حساب أخرى، دستور لا يخدم نخبة دون أخرى، دستور يُثّمّن إرادة الشعب الذي صوّت عليه ووافق على مضامينه، باختصار دستور لا يُقصي.

وهنا من المهم إشراك الأطراف الفاعلين في المجالات والميادين ذات الصلة، وتوسيع دائرة الاستشارة للنخب المختصة من أساتذة ومحامين وأحزاب سياسية ومجتمع مدني...لأخذ رأيهم بخصوص مشروع الدستور.

- رعاية حقوق المواطن وحرّياته بجميع أطيافه وتوجهاته الفكرية، لكن شريطة عدم المساس بالأمن والنظام العمومي، وثوابت الأمة الراسخة في هويتها وقِيَمِها الدينية والثقافية الضاربةِ أطنابُها في عمق تاريخها القومي.

- إقرار الدستور من قبل الشعب عن طريق عرضه على الاستفتاء الشعبي، وهو الأسلوب الأمثل والأنسب لتكريس دمقرطة حكم الشعب، وتعزيز وتأكيد حقّه في المشاركة السياسية، وممارسة حقه في الديموقراطية المباشرة، وإسهامه في بناء دولته بناء مشيدا، بخلاف لو أقرّته سلطة التشريع عن طريق المصادقة فإن هذا قد يطرح لاحقا إشكالات سياسية؛ من حيث أنه قد يُلجاُ إلى تمرير الدستور عبر البرلمان دون أخذ رأي الشعب مباشرة، ودون احترام إرادته في قبول الدستور أو رفضه.

وربما قد تُتهم السلطة السياسية بتعمّد إبعاد الشعب عن صناعة مستقبله السياسي من خلال التصويت العام والمباشر على الدستور، خاصة إذا كانت عملية طرح الدستور مُحاطة بظروف سياسية استثنائية، واحتقان اجتماعي، ووضع اقتصادي غير مُريح.

إن إشكالية دساتيرنا أنها لا تُعمّر طويلا كما هو الحال بالنسبة إلى بعض الدساتير العالمية التي صنعت الفارق في تاريخ الدساتير الوضعية؛ مثل: الدستور الفرنسي والدستور الأمريكي، فهما أنموذجان للدساتير المرنة التي تتعاطى مع تغيّرات المشهد السياسي دون أن تتخلّى عن محاورها الكبرى وعديد مضامين محاورها الفرعية، حتى ما يجري عليها من تعديل يبقى تعديلا هامشيا أو جزئيا، ومثالا يُحتذى به في دمقرطة صناعة الدساتير وطرحها عبر إرادة الشعب لا من دهاليز السياسة والحكم.

كتبه: عبد المنعم نعيمي.

أستاذ بكلية الحقوق- جامعة الجزائر 1.



  • عبد المنعم نعيمي
    وما من كاتبٍ إلا سيفنى *** ويُبقي الدَّهرَ ما كتبت يداهُ *** فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يَسُرّك في القيامة أن تراهُ
   نشر في 07 ديسمبر 2014 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم











عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا