تجارة الأمل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تجارة الأمل

  نشر في 30 ماي 2020 .

كتبت يوما مقالا هاجمت فيه احدى القنوات لأنها بثت حلقة غير لائقة ونحن في عز أيام الحداد في مناسبة أليمة، ولما عرضت المقال على سيدة زميلة لي في العمل أكن لها عميق الاحترام وآخذ دائما بآرائها قالت لي ان المقال جيد والتعبير صادق ولكن لماذا لا تكتب مقالات عن..... الأمل.

في الحقيقة راقت لي الفكرة كثيرا لكن وقع كلمات زميلتي علي كان كمن يطلب من التسعيني تسلق النخيل و جني الثمار، فسألت نفسي كيف أكتب عن الأمل و أنا من الذين تعوّدوا على تشخيص النقطة السوداء على الورقة العملاقة البيضاء، نحن الذين لا نرى في الكأس إلا جزءها الفارغ ولا نحتفظ إلا بذكرى كلمة جارحة تلفظ بها أخ أو صديق أو زميل في لحظة فقد فيها زمام أعصابه و عصف الشيطان فيها بلسانه متناسين أعواما من المودة . فشرعت في بحثي عن الكلمات التي تصنع الأمل و عن قصص الناجحين الذين تسلحوا به، فتزعزعت أركان وجداني و لامست مقاييسا جديدة و تعابيرا رائعة خطتها الكلمات الرقراقة التي تصنع الفسحة في الضيق و تنير المصابيح في الأيام الدهماء، فرحت أجمع ما أمكن عن الأمل الذي لا تستشعره أفئدتنا إلا أيام الألم وساعات الحسرة، فإنكشف الغطاء عن رسوم قيمة نفيسة وحفريات سحيقة ومعادلات ثابتة وصامدة منذ الأزل أن المستقبل لمن يتفاءل ويفرح ويتخلص نهائيا من قصة البحث عن الإبرة في كومة الآلام والأحزان.

في الواقع ما لاقيت من كلمات وبرغم ايماني بها باعتبارها منبعثة من أعماق عقيدتي، إلا أن وقعها علي كان كوقع الآية الكريمة  {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }  آل عمران 144 على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال وكأني أسمعها لأول مرة، ذلك أن الإيمان يدفع في النفس قوة الرضا بما اختاره الله لنا، فالأمر كله بيد المولى عز وجل، فإذا أحسنا الظن به أغرقنا بنعمه و فضله و اذا عبدناه ليرضى أذهلنا بعطائه .

بحثي قادني لحقائق طفت الى ذاك السطح الذي أطفأنا أنواره بأيدينا في عز شمس الظهيرة، و أعاقتنا النظرة السوداوية عن تلمس ضوء القمر وعبير الياسمين، و التطلع لغد مشرق ومزهر. أوَلَيْسَ الأمل في الله من دفع سيدنا أيوب للبحث عن العلاج في رحمات الشافي القهار وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }  الانبياء 83 فجاءت البشرى على عجل فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }  الأنبياء 83 .

أولم يدفع الأمل سيدنا ابراهيم عليه السلام الذي جاوز الثمانين من العمر لطلب ولد من الصالحين فقال {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } الصافات 100 فجاءت البشرى لتثلج صدر زوجته العقيم وتهز كيانها { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ }  الصافات 101 .

أوَلَيْسَ الأمل في الله من دفع سيدنا يونس عليه السلام وهو في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت للإقرار بالخطأ والتضرع لملك السماوات والأرض بتسبيح سمعته الملائكة بأرض غريبة { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء 87 فجاءته البشرى { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ سورة الانبياء 88 .

أوَلَيْسَ الأمل في الله من جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعد ابنته وهو يقسم إن الله لناصر اباك في عز قمة الظلم والطغيان. او ليس الأمل في الله من جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعلنها يوم الأحزاب وفي ذروة الحصار، في وقت سعت أشواك اليأس  والقنوط لتجد لنفسها مكانة في قلوب أصحابه رضوان الله عليهم، فأشعل صلوات الله و سلامه عليه نبراس الأمل و التفاؤل و رفع كعادته راية الفرج في أحلك الأزمات والنوازل ووقف في وجه تسلل الانكسار لنفوسهم فعن البراءِ بنِ عازبٍ الأنصاريِّ قال: لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفرِ الخندقِ، عَرض لنا في بعضِ الخندقِ صخرةٌ عظيمةٌ شديدةٌ لا تأخذ فيها المَعاوِلُ، فشكوا ذلك إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلما رآها أخذ المِعول، وقال، بسم اللهِ، وضرب ضربةً فكسّر ثُلُثَها وقال: اللهُ أكبرُ، أُعطيتُ مفاتيح الشامِ، واللهِ إني لَأبصرُ قصورَها الحُمْرَ إن شاء اللهُ، ثم ضرب الثانيةَ فقطع ثُلثًا آخرَ فقال: الله أكبرُ، أُعطِيتُ مفاتيحَ فارسٍ، واللهِ إني لَأُبصِرُ قصرَ المدائنَ الأبيضَ، ثم ضرب الثالثةَ فقال بسم اللهِ، فقطع بقيَّةَ الحَجَرِ فقال: الله أكبرُ، أُعطيتُ مفاتيحَ اليمنِ، واللهِ إني لَأُبصِرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني الساعةَ''.

أوَلَيْسَ الأمل في الله من قاد سيدنا موسى لهزم أحد أعتى الجبابرة فخرّ السحرة سجدا للعلي القدير و هو الذي ولد بالأمل وعاش بالأمل وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } القصص 7 ، وحتى على شفا بطش طاغية الفراعنة لم يتزعزع يقينه برب العباد لما استسلمت جحافل بني اسرائيل { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } الشعراء 61 فقال بكل امل في الله { قال كلا إن معي ربي سيهدين } 61 الشعراء.

فالأمل هو ذاك الشعاع الذي يصدر من القلوب فيكسر الفشل، ويميط الغبار ويزيل الستار عن الطاقة الايجابية التي تجعلنا نتلذذ برؤية نور الشمس في نهاية النفق،  ونتلمس عبق وحنان الوردة دون التذمر والخوف من وخز الاشواك، و لنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، أحسن القصص، لعبرة و دروس، فالمريض سيشفى و الغائب سيعود و السجين المظلوم سيتحرر ويتبوأ الدرجات العلى، فالأمل هو خبز الطامح الطامع في رحمة المولى عز وجل صاحب اليقين العميق أن تحقق الحلم بين الكاف  والنون، وأن تجسد الحلم و الطموح لا يحتاج سوى للحظة يقين و دعوة صادقة وحسنة تبتغي بها وجه من يحقق الأحلام و الأماني فقط عند الاستعانة والتسلح بالله ، فلولا الأمل ما غرس فلاح منتظرا الغلة ولا ثابر طالب منتظرا النجاح ولا تداوى مريض بالدواء المرير راجيا الشفاء والعافية، فالثقة بالله وحدها تصنع الأمل وتجعل من المتشبع بها عظيما ....وتاجرا للأمل.

محمد بن سنوسي

29-05-2020


  • 1

   نشر في 30 ماي 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا