الأناناسة التي تبقت - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الأناناسة التي تبقت

  نشر في 21 فبراير 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

عندما يرحل الجميع من حولك وتبقى وحيدًا، تبدأ التسأولات في النضوح إلى سماء فكرك، تحاوطك من كل اتجاه، لكن الوضع هنا يختلف قليلًا، لقد رحلت جميع الأناناسات من حولي، وصار الرف الذي كنا نمكث عليه جميعًا فارغًا، وبقيت أنا وحدى أسأل نفسي، تُرى ما الذي ميز تلك الأناناسات حتى يرغب الجيمع بهم، فهناك أناناسة ذهبت إلى متجر الحلويات الذي يقع على بعد أمتار قليلة من متجرنا، وأخرى حملتها سيدة عجوز حتى تستفيد من بعض الفيتامينات الموجودة بها فتقوى على مواصلة الحياة، وهناك أناناسة رابعة سارت مع بائع العصير كي يُضيف نوع أخر جديد إلى قائمته، وبعض الأناناسات الأخريات ذهبن معًا في رحلة إلى أحد المتاجر الكبيرة، أولئك الذين يتمتعون بمساحات عرض شاسعة وأساليب طرح مميزة، أما أنا فبقيت هنا لم أذهب إلى أي مكان قط، لم يرغب أحد في اقتنائي.

أظل في حيرة كل ليلة عندما ينتهي نهار عملي وأتأكد بأنني ماكثة في مكاني لن أرحل اليوم، لأسأل نفسي مرة أخرى، هل بي من عيب؟ أم انني لست مميزة بالقدر الكافي كي أغادر المتجر؟ وما ذلك الشيء المميز الذي يتمتعن به جميعهن بينما افتقده؟

لا أجد إجابة واحدة، ولا أحصل على تفسيرًا منطقيًا، أنظر في المرآة التي تقع خلفي مباشرة واسألها ما الخطأ الذي لا تراه عيناي بينما من المؤكد أن الجميع يراه؟ كالعادة لا أتلقى أي رد من تلك المرآة، حتى سمعت صوتًا مباغتًا، ينادي من الرف الواقع تحتي، يقول" عزيزتي الأناناسة، أراكِ تطرحين الأسئلة نفسها كل ليلة، لكنني أعتقد أنكِ تخطئين الصياغة، حيث يجب أن يكون السؤال كالآتي: هل الأناناسات اللائي رحلن سعيدات؟ هل تؤدين جميعهن تلك الأدوار التي تتخيلين أنهم ذهبن  لتحقيقها؟ هل هذا ما يطمحن إليه؟"


توجست خيفة في بداية الأمر، وبصوت عالٍ يشوبه القلق والتوتر، سألت، من المتحدث؟ في الحقيقة كنت أخشى أن يكون المتحدث ثمرة القرع الشرير، لطالما أننا كأناناسات تربين منذ صغرنا أن القرع فتاك شرير، ويجب علينا ألا نُحدثه بل ونبتعد عنه أينما حل أو ظهر، لكن الحمد لله، لم يكن هو بل ادركت أنه الفلفل الكسول، وعن سبب نعته بالكسول فذلك يرجع إلى أنه لا يحب التغير ولا يطمح إلى التطوير من نفسه، لا يسعى لشيء ولا يريد شيء، فقط يكتفي بالمكوث في سلته على الرف الثاني، على كل حال فإحقاقًا للحق، كانت كلماته تتمتع بالكثير من الحكمة والمنطق على حد السواء، فرددت عليه قائلة: لكن على الأقل جميع الأناناسات جربن شيئًا أخر وذهبن إلى عوالم مختلفة غير عالمنا هذا، أريد أن أصبح مثلهم.

أتعلم مع شمس كل يوم جديد، عندما يأتي العامل الذي لا أعرف اسمه حتي الآن، فاسميته "قُلقاسة" يبدأ في إزاحة التراب المنثور حولي ويغمرني تنقيطًا ببعض قطرات المياه، أكون في تلك اللحظات في غاية السعادة، أرقص فرحًا حتي أخشى أن يكتشف ذلك، وأنظر للمرآة فأجدني متلألأة، أشع بريقًا من كل اتجاه، فتُصيبني الحماسة وأقول" اليوم سأذهب إلى عالم جديد" لكن ينتهي اليوم ولا أغادر مكاني أبدًا، تُرى ما السبب أيها الفلفل الكسول؟

الفلفل: بعيدًا عن تنمركِ المعتاد، لكنني أعتقد أن هؤلاء ليست بسعيدات!

أنا: هل هذا ما يعتاد جميع الخضروات والفاكهة قوله في ذلك المتجر؟ أعتقد أنني سمعت ذات مرة الكلمات نفسها من أستاذة طماطم الماكثة في الرف السادس، أم أنه معتقد قديم اخترعه أحد الثمار القديم حتي لا يُصاب الأخرون باليأس من بعده وكي لا نكره أنفسنا؟

الفلفل: هل أخبركِ سرًا؟ حكاية قديمة لم تعد تُحكى ولم يعد مسموح بتداولها أو سردها في أي مكان؟

أنا وقد اصابني الفضول، بالطبع.

الفلفل: هل تعرفين القصة وراء التحذيرات من التعامل مع القرع الشرير؟ ولماذا اصبح يحمل ذلك القدر من الشر في داخله؟ وكيف تحول من مجرد ثمرة عادية شأنها شأن جميع الخضروات والفاكهة إلى القرع المرعب الذي نخشاه؟ سأحكي لكِ، ذات يوم من الأيام، وصلت شحنة محملة بالقرع إلى متجرنا، اصطفوا جميعًا على أحد الأرفف، ثم اتت إمرأة، يبدو عليها الثراء الفاحش واختارت أحدًا منهم، اخذته معها إلى منزلها في مشهد إحتفالي، ثمار القرع كله في حماس شديد لأختيار أول ثمرة منهم وبيعها، وتلك التي بيعت تكاد تنفجر من فرط سعادتها لأنها مثلما كنتِ تقولين من قبل، ذاهبة إلى عالم جديد، لكن الأمر لم يسير على نمط السعادة كيفما بدا

فتلك المرأة المتوحشة، اخذت تقطع ثمرة القرع إلى قطع صغيرة ومن ثمَ نحتها، جوفت لها عينين وفم كبير وأنف مثلث الشكل، ثم جاءت بمنشار في غاية الحدة وبدأت تخطو به دائريًا من الناحية الأمامية، نزعت تلك القطعة التي نشرتها بينما يصرخ القرع آلمًا ووضعت مكانها شمعة مشتعلة نيرانها، وفي هذه اللحظة تحولت تلك الثمرة إلى الشر بعينه مجسدًا مخيفًا، ليس هذا فحسب، لكنها عادت مرة أخرى إلى المتجر حاملة بين يديها الثمرة المشوهة لتهديها لصاحب المتجر، فُجع القرع لما اصاب صديقهم، كانت لحظات عصيبة تحول فيها ثمار القرع بأكمله إلى ثمار فتاك شرير، يهابه الجميع، البشر والخضروات والفاكهة، حتى العامل "قُلقاسة" يخشي الاقتراب منهم.

أنا: معذرة وما المقصود من تلك القصة المرعبة؟

الفلفل: المقصود أن ليس كل من رحل عن متجرنا صار سعيدًا أو كانت وجهته عالم مثالي مُفعم بالألوان، فقط كُفي عن التسأولات والتخيلات، وتقبلي نفسك كما أنتِ أينما كُنتِ، لربما أنتِ الأناناسة المميزة التي نجت من هلاك مؤكد.

أنا: ربما يجب أن تُنعت بالفلفل الحكيم بدًلا من الكسول، شكرًا لك ولتغير نظرتي للأمور، ف لم أعد مستاءة أبدًا أنني الأناناسة التي تبقت.



  • 7

  • ريم ياسر
    هنا ستجد الحقيقة دون تزيف أو رتوش. An old soul who missed her way to ancient times & stucked in our life
   نشر في 21 فبراير 2021  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

Hana Muhammad منذ 3 سنة
استندتِ على أسلوبٍ جديد في معالجة هذه الهواجس التي تعترينا جميعاً في أحلكِ لحظاتنا.. استمتعتُ بالطرح...سلمت أناملك.
1
ريم ياسر
شكرًا لكِ عزيزتي، غمرتني السعادة بينما اقرأ كلماتك
Dallash منذ 3 سنة
ربما يجب أن تُنعت بالفلفل الحكيم بدًلا من الكسول، شكرًا لك ولتغير نظرتي للأمور، ف لم أعد مستاءة أبدًا أنني الأناناسة التي تبقت
عميقة...راقية في جرحك
1
ريم ياسر
شكرًا لك

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا