هذا هو مذهبي - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هذا هو مذهبي

تساؤلات حول وهم الانتماء

  نشر في 06 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

حين يسألني أحدهم عن اسمي فأجيبه، يسارع لإطلاق الأحكام والتنبؤ بأصلي وهويتي. فإن كان عربياً، يفترض أني مسيحيّ أو أمازيغي أو كرديّ المولد. وإن كان كندياً، يفترض أني تركيّ أو هندي أو إفريقيّ الأصل. ويتحوّل سياق كلامه ليعكس سلسلة الافتراضات التي بناها عني. عن براءة، من باب توثيق العلاقة. أو عن غير براءة، من باب إثبات قدرته على التنبؤ!

لِمَ يفترض أن يكون "حسين" أو "عمار" شيعيّاً؟! و"عمر" أو "خالد" سنّياً؟!
ولم يفترض أن يكون "جوزيف" أو "أنمار" مسيحيّاً؟!

وقد نفعل أنا وأنت ما يشبه ذلك، من غير قصد، لتحاشي حرج التفوّه بما قد يجرح احداً نتعرّف عليه للوهلة الأولى. ولكن يبقى السؤال: لمَ يفترض بأسمائنا أو حتى أصولنا أن تعكس انتماءاتنا؟ لم يتعين أن نأخذ موقفاً من أحدهم انطلاقاً من لغته أو من لون بشرته أو هيئته أو حتى من بعض تصرفاته؟

ما أهمية أن يشاركني محدّثي، أو من أحاول مساعدته، ذات الانتماءات والاهتمامات، أو أن يختلف معي؟
ولمَ أسعد بقول أحدهم لي: "أتفق معك"؟ لمَ يتعين على أحدهم أن يتفق معي أصلاً؟!
لمَ أفرح بتصريحٍ لمخالفٍ لي، يثني فيه على زعيم أنتمي له؟
كفرح المسلمين إذا أعلن حنّا أنه يحبّ محمّدا، وفرح المسيحيين إذا صرّح مهدي بأنه يعشق المسيح!
ولمَ أقع في مطبّ الإساءة إلى معتقدات بعضهم؟ ولمَ أضمر منهم موقفاً أصلاً؟ 
ولمَ أقف على أهبة الاستعداد للدفاع عن هويّتي لإثبات أحقّيتها؟
ولمٓ يثيرني افتراض خاطئ بشأن انتمائي، فأهبّ مستنكراً؟
وما حاجتي إلى التعبير عن مواقفي الشخصية في لقاءٍ عابر؟

أرى السبب وراء ذلك كلّه أننا نحمل شعوراً داخليّاً ساذجاً، بأن الانتماء يمنحنا الهوية والسمة الشخصية! يمنحنا الوجود في عالم مزدحم.

وكأنّ اللا انتماء، يتركنا عرايا معرّضين للإعتداء! فلا عصبةٌ تحمينا ولا عقيدةٌ تغنينا! 
وكأنّ اللا انتماء، يجعلنا بلا كبرياء ولا كرامة ولا أصل.

أيَتعيّن أن نختار انتماءاتنا ونقرّرها بأنفسنا؟ أم أن تختارنا هي من غير حولٍ لنا ولا قوة؟
أيُفترض بنا أن نرسم طريقنا بأنفسنا؟ أم نسير على سكّة شادها الأجداد فلا نحيد عنها؟!
وهل يكفي حمل لقب "بوذيّّ"، لأنال شرف القيم البوذيّّة؟
وهل يكفي كوني يهوديّاً بالهوية، لتحميلي أوزار اليهود؟
وهل يكفي أن أولد لأبٍ كرديّ، لقناعتي بضرورة إنشاء دولةٍ للأكراد؟
وهل يكفي أن تكون أمّي أمازيغية، لإعطائك سبباً للاعتقاد أني أتكلّم الأمازيغية؟

إنّ عدم الاعتزاز بالانتماء لا يعني انعدامه، ولا يعني أني أخشى التصريح به. بل يعني أني حيّدت مسألة الهوية جانباً، وفضّلت أن أوسّع دائرة انتمائي لتشمل العالم بأسره. أن أعتزّ بإنسانيتي لا يعني أني أكره الملحدين، وإن كنت أكره الإلحاد، ولا يعني أنّ أتبرأ من الهندوس. ولا يعني أن أكره أتباع الشيخ الفلاني أو المنتمين للحزب الفلاني.

أرى أن التعبير عن الذات وعن القيم التي نؤمن بها، لا يتمثل في قدرتنا في الدفاع عنها. ولا يتمثّل في الاعتزاز بعاداتنا وأزيائنا ولغاتنا. بل في قدرتنا على العطاء (أو المنع) رغم انتماءاتنا. كقدرتنا على مساعدة آخرين وإبداء حبّنا لهم رغم اختلافهم الواضح عنا. أو قدرتنا على التبرّؤ من سلوك الخاطئين وعدم البحث عن المبرّراتٍ لهم، ولو كانوا أبناءنا.

التعبير الحقيقي عن قيمك أو انتماءاتك لا يصدر من عُجبٍ أجوف بقناعاتك ولا من تعصّبك لها. بل يكون في سعة صدرك ونُبل خٌلُقك مع المخالفين لك.كأن تهبّ لإغاثة فردٍ يعاكسك، رغم أنك خرجت توّاً من نقاش محتدمٍ معه!

لا نعامل الآخرين حسب دياناتهم أو أعراقهم أو مراكزهم أو وجاهتهم. بل نعاملهم حسب "أخلاقنا" نحن. لأنهم يشاركونا انتماءً أوسع من ذلك كله، انتماءنا لآدم وحواء.


نُشر أصلاً في "نافذتي" 

https://akbasca.wordpress.com/2017/09/06/هذا-هو-ديني/


  • 7

  • أقباس فخري
    لا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.
   نشر في 06 شتنبر 2017  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

" منذ 7 سنة
جسدت في مقالتك أستاذ معنى الإنفتاح على الآخر في أبهى الصور،والله مذ أتيت إلى هذا البلد الجميل وأنا أراجع وأنقح كل ما تم تلقيني إياه من موروث يحثني على كراهية الآخر المختلف عني،وفكرة خندقة الناس بحسب انتماآتهم،أخذ مني ذلك وقتا ليس بيسير،ولكني غيرت نظاراتي فصرت أرى العالم أوسع وأجمل
2
أقباس فخري
أنت وأمثالك سيدتي ممّن يحاولون تلمّس الجمال في جميع الخلائق، لن تنظري الناس من خلال فلتر انتماءاتهم. لكن مع الأسف هناك من يبحث عن أوجه التشابه والاختلاف في كلّ من يقابله. الكثير من الموروث كرّسه حكّام مدعومون بببعض رجال الدين من أجل بسط سطوتهم. ومع الأسف يدفع الناس ثمن ذلك كراهية تمتد لأجيال عديدة. سررت كثير بنيل الموضوع استحسانك.
Abdou Abdelgawad منذ 8 سنة
الموضوع جيد والأسلوب رائع يوصف مشكلة من كبرى مشاكلنا المجتمعية
يسعدنى متابعتكم وأتشرف بمتابعتكم لصفحتى وتواصلنا معا
1
أقباس فخري
يسعدني اهتمامك وتعليقك أخي عبد الجواد لدينا رسالة لابد من نشرها في عالمنا العربي المثقل بالتحزبات والتوترات .. وأشترف بمتابعتك أخي الكريم
creator writer منذ 8 سنة
تذكرت موقفا حدث في السنة الماضية : أتت طالبة لمكتبي لتخبرني بأن فلانه شيعية و عاتبتني بطريقة غير مباشرة لأني اتعامل معها بلطف فهي شيعية متعصبة ، كان جوابي طويلا لكن بإختصار اجبتها أننا جميعا مسلمون ولا نعامل الآخرين حسب دياناتهم أعراقهم أو حتى جنسياتهم بل نعاملهم على أساس "أخلاقنا"، و حتى غير المسلمين يجب أن نعاملهم بلطف ولين لأن ديننا دين لين و رحمة .


شكرا لقلمــك .
3
أقباس فخري
لا نعامل الآخرين حسب دياناتهم أعراقهم أو حتى جنسياتهم بل نعاملهم على أساس "أخلاقنا".
تعرفين بنيتي؟ كنت أعلم أن الموضوع ينقصه خاتمة تليق به. وقد أهديتني الخاتمة بجميل اهتمامك. فشكرا جزيلاً لك.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا