لليوم العالمي لحقوق المرأة هذه المرّة مذاق خاصّ به، يشبه كثيرا طعم الثّورة ونسائم الحرّية. إنّه عام ميلاد الشّعب، عام تشييع الدّكتاتور وعصابته إلى مزبلة التّاريخ يرقدون فيها مع جرائمهم وما سرقت أيديهم. إنّه يوم ميلاد وطن وُئدت أحلامه، وطُرد منه شبابه فأصبح أشبه بمقبرة مخيفة يسكنها الأحياء الأموات والثّكالى... هذا الوطن يستفيق اليوم من سباته الطّويل ويبحث عن أبنائه الذين كانوا مشتتين لا يلتقون إلا حين يختلفون. ها هو يستفيق اليوم ويجمعهم من حوله يواسيهم ويجبر خواطرهم. تحلّقوا هم بدورهم حوله يربّتون على جناحه ويطلبون العفو عن تقصيرهم في حقّه وتسليمه لمن خان العهد والأمانة...
كتبت العام الماضي في مثل هذا اليوم، عن المرأة العربيّة بشكل عام، عن معاناتها وسط المجتمعات الذّكورية بامتياز، وهذا العام أحجز قلمي غير مخيّرة للمرأة الجزائريّة لأوفيها حقّها وأبلغها سلامي … ولنساء العالم (النساء النساء)
اليوم، أنحني بكلّ اعتزاز احتراما للمرأة التي صرخت ملئ حنجرتها "الجزائر أمّنا!" غير مبالية بسخط المستعمر. تلك التي ربّت أجيالا وتقلّدت أهمّ المناصب، التي درست وكتبت وغنّت وهاجرت… إلى من صنعت البيت بما/من فيه ومكثت فيه تحيك المستقبل. أكتب من أجل من ظُلمت ومن قاومت، من استعادت حقوقها ومن مازالت تحاول. من وجدت طريقها ومن مازالت تشقّه بهمّة. إليكن جميعكن أهدي من المحبّة والاحترام قدرا عظيما، وأعلنها مدوّية: المرأة ليست وحشا، ليست عارا، وليست عيبا. المرأة حبّ، حرب، قلب وعقل. المرأة أمل وحياة… إلى كلّ رجل حاول يوما أن يحطّ من قيمة النساء، أقول: "لا تنسى أنّ المرأة هي من تصنع الرجال، فهل نسيت من صنعتك؟ أم أنّ وظيفتك في هذا الكون الفسيح، لا تتعدّى كونك ذكرا لم يجد من تصنع منه رجلا فبقي صغيرا جدّا أمام الكبار؟ وإلى كلّ امرأة تحاول دفن رأس أختها في الأرض: "أبشري فقد تبرّأت منك الإنسانيّة عزيزتي" ..."
إن سألوكم عن المرأة الجزائريّة، فأخبروهم أنّها ولّادة الحريّة!
على طريقة العناكب التي تنصب شباكها وتنتظر في مخبئها وقوع فريستها، حاول أتباع النّظام الفاسد في الجزائر طيلة عدّة سنوات، استعمال المرأة لتثبيت جذورهم السّامة في أرض سُقي ترابها بدماء طاهرة أهداها مليون ونصف مليون شهيد بطل قربانا للحريّة. خرج منذ فترة المهرّج الأوّل السّابق للبلاد كما يحلو للبعض تسميته، يدعو النّساء "لكركرة" أزواجهنّ إلى صناديق الاقتراع، وأقام على شرفهنّ عرسا وأمر بأن يرفع صوت الموسيقى حتى ترقصن كما يطبّل لهن. ذلك لأنّه موقن بدور المرأة المحوري في المجتمع، وتأثيرها على عائلتها. لكن ما كان يجهله المسكين، هو أنّ نساءنا "فحلات" لا يرضين بالذّل والعبوديّة. وها هنّ حرائر الجزائر اليوم يجبنه: "نقدّم أصواتنا للوطن! فأصواتنا براكين لا تثور إلّا في سبيل الوطن!". في الصّف الأوّل حواء تسير، تستجيب لنزار قباني حين دعاها أن "قولي، انفعلي، انفجري" وقد اختارت "الأمل" على "اللاأمل" في وطن كاد أن يقتل أبناءه ظلما، على أيادي الطّغاة سفاحي الأحلام والأماني ...
فليشهد العالم أنّ اليوم... وأمس ومنذ أسابيع خلت، خرجت سليلات بوحيرد جميلات الجزائر، ملبيّات لنداء التّاريخ، تنادين بالحريّة، تطالبن باستعادة الوطن وأبنائه وكلّ ما كان فيه مشعّا وبهت بريقه مع تراكم الخيبات. خرجن بسلميّة تجري في عروقهنّ النّاعمة، يساعدن الجزائر بأياد بيضاء على الوضع بسلام بعد عشرين سنة من التّمخض عن صرخة الشّعب! خرجن لأنه من دونهنّ لا تكتمل قوّة الجموع المستنكرة للذّل بقلب واحد لا يعرف سوى الخوف على الوطن. خرجن، فاحتفت بهنّ الشّوارع والسّماء وطيرها. خرجن فتبعتهن الملائكة تحرس قلوبهنّ من كل حزن متربّص وعين الله تحرس أرواحهنّ. خرجن يرسمن أجمل اللوحات وأصدقها بألوان العلم الذي يلتحفنه فيحملهنّ عاليا إلى رحم الأمان. وهل رأيتم ما هو أجمل من حواء تحمل وردة وتداعب الحمام؟ شكرا لكنّ فقد أبدعتنّ، وكلّ الدّنيا تقول: المجد لكنّ وعليكنّ سلام!
أسماء بوزيد
-
أسماء بوزيدطالبة في قسم اللّغات، أدب و حضارات أجنبيّة (تخصّص لغة انجليزيّة)و مشروع كاتبة.