«بعد الكثير من إلحاح أمي، تركت هاتفي وخرجت إلى شرفة منزلنا كي "أنشر الغسيل"، شعرت بالبرد قليلًا فنسمات الهواء باردة وصحتي ليست بحال جيدة، سرعان ما سطعت شمس هادئة تتخلل البرودة بدفء قليل، جذب انتباهي طفل ذو نصف متدلي خارج نافذة الطابق الخامس للعمارة التي أمامنا، أردت أن أصرخ به لخطورة وقفته تلك لكن صوت رقيق صغير سبقني بصراخ " حاسب تقع" مصدره طفلة أخرى تفرق بيننا بضعة طوابق..
عدة عمارات متقاربة يفرق بينها أمتار قليلة، أطفالها كفوا صخبهم عن أمهاتهم لبعض الوقت، يقفون خارج النوافذ والشرفات، أعمار صغيرة، يحتفظون بفطرتهم البريئة، يتبادلون الأحاديث عن ألعابهم، الكرتون المفضل لكل منهم، حروف الهجاء وواجب الحصة الأولى وأستاذة العربي وأستاذ الحساب، جميعهم أصدقاء، عدا تلك التي تقف أمامي، تشاهدهم بابتسامة دافئة مثلها، يطل من عينيها انطواء وخجل، كلما حاولت أن تشاركهم أحاديثهم تتعثر الكلمات على أطراف فمها..
التفت على صراخ أمي خلفي" نص ساعة واقفة هنا ولسه ماعملتيش حاجة"
" أصل .." قاطعتني بحزم " ادخلي أنا هنشر الغسيل"
عدت إلى غرفتي وفي داخلي تنمو تلك الصغيرة التي تذكرني بطفولة بائسة لراشدة مثلي.»