قطرات دمي

وأنا ألملم شظايا السراب المتناثرة من حولي، جاءني صوته متهدجًا من خلف الغيم، ممتلئًا حبًا ودفئًا: "حاذري فقد تمزقين شرايين معصمك"

هزني صوته الرخيم، زلزلني، بعثرني، لملمت حطام نفسي والتفت إليه، إلى صوته الذي اخترق كل خلية من خلايا روحي، وانتشر على مساماتها كسحابة صيفية حبلى بأمطار نيسان.

تقاذفتني الأسئلة يمينًا ويسارًا: من يكون؟ طيف إنسان؟ حلم المساء؟ خيال شارد من حكايات ألف ليلة وليلة؟! من تكون يا ذا الصوت الشجيُّ؛ لتخاف عليَّ، وعلى معصمي، وشرايين معصمي؟

رفعت إليه ناظري فصعقتني الصدفة؛ هل هو ضالتي المنشودة التي أضعتها بين فصول العمر وظننت أنني فقدتها للأبد؟

صوته الأجش الذي أحب، نظراته الحالمة التي أهوى، جسده الساكن، روحه المتوثبة، مشاعره التي تشع بريقًا وسحرًا كما حلمت بها ذات يوم، ذات مساء، ذات ليلة كان قمرها الفضي يراود نفسه على الاختباء أوالاختفاء.

كنتُ أظنه حلمًا لن يرى النور، وهمًا لمن تغيب مثلي في عالم من الأوهام، خيالًا من الذي يسطر صفحاتي، يتوسط حروفي، يسكن قوافي الشعر في قصائدي.

ما أجمل الصدفة حين تهبك حلمًا فتيًا، يثبُّ منتفضًا في ليلة باردة؛ لينتظرك خارج أروقة الحلم؟!

كيف مزق شباك العنكبوت وخرج دون جراح؟ وأتى بهيًا كبدرٍ في ليل التمام؛ فاحتوى شوق العمر إليه، والأمل بأن يكون هو فقط فارس الفرسان.

أخذني الصوت الحنون، المنتظر؛ فنسيت نفسي، تناسيتها، هجرتها وتتبعت صوته حتى أصبحت بعيدة جدًا عن نفسي، تُهتُ، وبَعُد صوته حتى تلاشى، ثم اختفى!!!

وقعت شظايا السراب من يدي، تمزق معصمي وسالت قطرات الدم منه، وأنا أنتظره كي يحتضنها بين كفيه ويضمدها بلمسة حب، كي يرتجف صوته الأجش خوفًا، وتضطرب نبضات قلبه، وتثور روحه أكثر، وينتفض جسده؛ فيحرك ساكنًا على عجل، فإذا به داخل دائرة السراب، شظية من شظايا السراب، والحقيقة الوحيدة هي قطرات دمي.