الضفة التي يستحيل العبور إليها -٣- - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الضفة التي يستحيل العبور إليها -٣-

هل ستجرب ريتا حقاً أن تتواصل مع الرجل للوصول إلى ذلك الوسيط الروحي الذي كان يدعي بأنه يستطيع أن يستحضر الأرواح. وهل ستتمكن من لقاءه وهل كان حقاً سيقدر سبب رغبتها في لقاء والدها .. تابعوا القصة في الجزء المقبل ..

  نشر في 26 نونبر 2020 .

عندما قمتُ بفتح الصندوق عبقت بأنفاسي رائحة الماضي، رائحة عطره المميزة. كان هناك العديد من المغلفات، رسائل معادة بسبب عدم الاستلام، خطه الذي لم يتغير رغم تغير تاريخ المغلفات، الرسالة الأخيرة كان قد أرسلها قبل عدة أسابيع من وفاته، قبل أن يدخل بغيبوبة لمدة ومن ثم يغادر إلى مثواه الأخير.

هل يا ترى كان "غسان" أو أياً مما كان يستحقُ كل هذا البعد والجفاء. هل أنا نادمة .. ثم ماذا .. الندم لن يعيد شيئاً مما حصل!

لماذا غفرتُ لك كل تلك القسوة التي لم تكن مبررة ولم أسمح لنفسي يوماً أن أغفر له!

لماذا بكيتُ يومها، عندما أخبرتني بقرارك الأخير أنه علينا أن ننفصل إلى الأبد. رغم أنني صليتُ لأشهر أن يمتلك أحدنا شجاعة كافية ليقرر مصير هذه العلاقة الواهية. ربما شعرتُ عندها بأن هذه المرة كانت حقيقيةً جداً، بأننا لن نعود بعدها ككل مرة من حيثُ توقفنا .. كنتَ ستعود لمحاولة جديدة في إنجاح زواجك الذي لم تكن يوماً فيه مثالياً، لكنني لم أعد إلى خطيبي ولم أفكر حتى للحظة إن كان هناك من أمل في إنجاح تلك العلاقة.

كنتُ مشحونةً بالكره والغضب، ذهبتُ إلى "أمير" في مقر عمله حيثُ لم يحبذ يوماً أن نلتقي. دخلتُ مكتبه وكان قد انتهى لتوه من اجتماع دام على ما يبدو لوقتٍ طويل. كان مرهقاً .. وكان جسده خائر القوى وملامحه تشبه ملامح الجثة ومع ذلك لم أرحمه. وضعتُ دبلة الخطوبة على المكتب أمامه دون أن أتفوه بكلمة.

أعاد شعرهُ إلى الخلف، رأيتُ الدموع التي كانت تقفُ خلف زجاج نظارته. كنتُ أحاول أن أخرج من ذلك اللقاء دون وداع كئيب، دون تبريرات غير مقنعة لأيٍ منا .. لكنني لا أعرفُ كيف تفوهتُ حينها بكل ذلك الكلام الجارح، لمتهُ على ذنبٍ كان ذنبك، تجاهلتُ تعبهُ وألمهُ بسببك أنت .. أنت الذي كنت أنانياً لدرجة أنك لم تكن لتترك لحياتي أي سبب لأعيشه سوى كي أكون معك!

لأكون منصفة بحق نفسي، لم أكن المرأة الوحيدة التي كنت تخون زوجتك معها، كنت دائماً تبررُ شرورك بطريقةٍ محترفة، تجعلكُ تبدو الضحية لا الجلاد، وكنتُ حينها ما أزالُ أتنفسُ عشقك فلم يكن يهمني شيء سوى أن تعود بعد كل غياب لتكون معي .. !

في اليوم التالي كنتُ مرهقة جداً، ومع ذلك قررتُ الذهاب للعمل بدل إمضاء يوم آخر في التعمق بالذكريات في السرير.

أخذتُ حماماً قصيراً، احتسيتُ قهوة الصباح، رتبتُ أوراقي ثم خرجت .. لابد أننا جميعاً قد مر بنا ذلك الشعور يوماً، حيثُ شعرتُ بأنني كنتُ غريبةً عن كل شيء، عن سيارتي، عن الشوارع، حتى عن نفسي عندما كنتُ أتفقدُ مظهري في مرآة السيارة الأمامية .. كنتُ أحداً لا يشبهُ ذلك الذي عشته كل تلك السنوات!

دخلتُ إلى مكتبي، قلبتُ قليلاً بين المقالات التي أرسلها الصحافيون لإذن نشرها في العدد المقبل من المجلة الذي سيصدر بعد أيام. لفت نظري أحد المقالات بعنوان " هل يمكننا حقاً أن نلتقي الأموات.. علم الماورائيات إلى أي مدى يمكنه أن يجعلك تصدق ذلك. كان المقال عبارة عن لقاء مع أب يدعي أنه استطاع من خلال وسيط روحي في الخارج أن يدعه يتواصل مع ابنه الذي مات بحادث سير منذ سنوات مضت.

اقتبس عن الأب :" لقد كان ضرباً من الجنون، لكنني كنتُ على وشك أن أجرب أي شيء لأعيد لحظةً استطيعُ فيها التواصل معه. عندما خرج من المنزل وحدث ذلك بعد شجارٍ بيننا طلبتُ فيه ألا يعود فيها إلى المنزل ثانية -يمسحُ الأب دمعته بمنديل كان يحملهُ بيده- لقد كنت قاسياً جداً معه، قلتُ له عبارات لم أسامح نفسي يوماً على التفوه بها، في ذات المساء استقبلتُ اتصالاً من رقم غريب .. كان أحدهم يخبرني أن ابني قد تعرض لحادث سيارة وفارق الحياة ..".

سرت القشعريرة في عروقي، وضعتُ الملف على سطح المكتب .. ثم أعدتُ القراءة بعد أن هدأت نوبة الهلع التي انتابتني.

" كان في السابعة عشر من عمره، حدث ذلك منذُ ثلاثة عشر عاماً لم أتمكن فيها يوماً من العودة إلى حياتي الطبيعية، كنتُ أنامُ كل ليلة غارقاً في دموعي وأنا أدعي وأصلي أن يزورني في الحلم، أن يقول لي بأنه سامحني، وبأنه لا يكرهني .. لكنهُ في كل مرة كان يأتي فيها، يكون صامتاً يرمقني بتلك النظرة وكأنه يقول ما استحقيتُ كل تلك القسوة منك يا أبي .. - يبكي الرجل من جديد- .. ثم في يوم من الأيام كنتُ على وشك أن أقتل نفسي بها فقط كي تلتقي أرواحنا وأطلبُ منه السماح ، ظهرت أمامي كرسالة قدرية إعلان عن وسيط روحي كان يدعي بأنه يستطيع استحضار الأرواح ومساعدة الفاقدين بالتواصل مع مفقوديهم .. وبالفعل سافرتُ إلى ذلك الرجل - يفضل الرجل عدم ذكر تفاصيل عن اسم الوسيط أو الدولة التي سافر إليها - كان الوصول إليه شبه مستحيل، كان كالشبح الذي يظهر فجأة من العدم ويختفي ويعود مرة واحدة في كل عام ليمنح أحداً كما زعم يتسحق تلك الفرصة!

كانت بالنسبة لي مغامرة تستحق الخوض، بقيتُ انتظر أشهر، ألاحق أثره حتى ظهر فجأةً أمامي بعد أن كنتُ قد فقدتُ الأمل فعلياً .. وقبل أن أخبره حتى بقصتي ..طلب مني طلباً غريباً، وكان الطلب أن أتواصل مع أحد أقاربي وأخبره بأنني ربما لا أعود قبل عام. كان من السهل تدبر الأمر .. لكن ما حدث بعد ذلك كان شيئاً لا يصدق - يرفض الحديث عن أي مما حصل معه خلال تلك السنة التي أمضاها مع الوسيط-.

اليوم أنا شخص آخر بفضل ذلك الرجل الذي منحني فرصة أن أطلب السماح من ابني وأن أتلقى الإجابة التي كنتُ سأدفعُ حياتي ثمناً لسماعها ..

- يرفضُ الرجل التحدث عن عدد المرات التي تواصل فيها مع ابنه أو كيف كان اللقاء أو عن أي مجريات أخرى جرت في ذلك الوقت- .

وقبل أن تكمل آخر جزء من المقال وجدت نفسها ترفعُ سماعة الهاتف وتطلب الصحفي الذي أعد التقرير إلى مكتبها على وجه السرعة..!


  • 2

   نشر في 26 نونبر 2020 .

التعليقات

شاعر النيل منذ 3 سنة
قصة مؤلمة لكن لما أرسلت إلى الصحفى؟؟؟
0
Rim atassi
في التتمة إجابة على سؤالك وشكراً لمروك العطر
الانثى التي ترتدي ملابسها وتتوجه الى مكان ما لتنزع خاتم الدبلة قوية جدا ورائعة .... هنا عطر كرامة يفوق قوة الحاجة الى شريك...
0
Rim atassi
تماماً .. شكراً على مرورك الرائع

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا