تتعدد التحليلات و الاستنتاجات فيما يخص فيروس كورونا المستجد, حول أثاره و عواقبه على الإقتصاد و الأمن و السلم العالميين, الكل أدلى بدلوه في الموضوع .. و لكن ما لم ينتبه له العديدون أن هذا الفيروس جاء بإنعاكاسات لم تكن في الحسبان ..

كلنا رأينا تفاعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع المجهودات التي تبذلها الصين للحد من إنتشار الفيروس, في تصريح لافت قل نظيره من رجل طالما عرف عنه مهاجمة الصين الشيوعية و الإشتراكية و توجيه الإتهامات لها فيما يخص الإتفاقيات الاقتصادية, و حقوق الإنسان وخاصة وقوف بكين الى جانب كل من كوريا الشمالية في تجاربها النووية الاستفزازية.

لكن المتتبع للشأن الاقتصادي يدرك أن هذا التضامن ليس من فراغ و يعتبر مبررا, لإن البلدان تربطهما مجموعة من الالتزامات الاقتصادية, و لعل أبرزها الإتفاق الأخير الذي بموجبه تلتزم الصين بخفض التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية الموجهة المجال الفلاحي في الصين . وأي إخلال بهذا الإتفاق يعرضها أي الصين لعقوبات اقتصادية، و من جهة أخرى فإن الروابط الاقتصادية بين بكين و واشنطن قوية و لا تخفى على أحد فعمالق التكنولوجيا الأمريكية كشركة أبل يعتمدون على سلاسل التوريد لأجزاء الهواتف و الحواسيب القادمة من الصين, و كذلك بالنسبة لشركات السيارات كجنرال موتورز و ايضا نفس الامر ينطبق على شركات يبانية إضافة ألى أن الصين تعتبر أضخم سوق إستهلاكية في العالم و أي تهديد لهذا السوق فهو في حد ذاته تهديد للاقتصاد الأمريكي و ينذر بإنكماش للنمو الإقتصادي العالمي ككل.

تعددت مظاهر التضامن و تنوعت مصادرها حتى أن بعضها لم يكن أبدا متوقعا, و تجاوزت حد الخطابات و الرسائل المكتوبة و التي كتبها كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين, و رئيس كل من كوريا الشمالية و الهند و بلاروسيا و اذربيجان و باكستان ... بل أن التضامن كان بأشكال مختلفة.. برج خليفة أعلى بناء على وجه الارض في دبي, يظهر بألوان الصين في اشارة الى تضامن الامارات العربية المتحدة مع الصين في محنتها مع الوباء، العراق بدورها أعلنت أنها سترسل طائرة محملة بالمعدات الطبية المستعملة في مكافحة الفيروس الى الصين, و في خطوة مماثلة أرسلت مصر 10 أطنان من الأقنعة الواقية لدعم جهود الصين للقضاء على الفيروس ...لكن ان المثير في الأمر هو أن التضامن لم يقتصر على الدول بل تعاده اكثر من ذلك جماعة قروية فقيرة في المغرب تعلن أنها ستخصص فائضها المالي رغم هزالته لدعم الصين...

و إن كان العديد من المراقبون و المتتبعون يشككون من مصداقية هذه الإجراءات, حيث يقول العديدون أن الهدف من وراءها هو شراء ود بكين بدراهم معدودة علها تعود عليهم في مراحل لاحقة على شكل استثمارات صينية في المنطقة الا انها تبقى مبادرات مشكورة.

و شهد العالم في ما مضى مجموعة من الاحداث المأساوية التي أدت الى ظهور تيار إنساني قل نظيره, و نذكر مثلا الأحداث الإرهابية التي شهدتها أمريكا سنة 2001 و فيروس السارس الذي انتشر في الصين سنة 2003 تلاه زلزال تام في ايران الذي خلف 70 الف وفاة في ظرف 10 ثوان, و تسونامي 2004 الذي ضرب دول جنوب شرق اسيا, زلزال هايتي 2010 و وصولا إلى لغر إختفاء الطائرة الماليزية و الذي خلف 227 قتيلا و مشاركة العديد من دول العالم في عمليات البحث و الانقاذ و شهد تضامنا دوليا غير مسبوق .. كلها حوادث تشهد على تضامن انساني طال غيابه في ظل الحروب و النزاعات التي تطول و تجر وراءها ملايين الضحايا بين قتيل و جريح و معاق و مشرد و بقايا دول.