أنا وهذا التعب الذي هدَّ ملامحي ننتمي إلى ذاك الطابور الممتد على طول الفقر؛ طابور المحتاجين الفائضين عن حاجة الأوطان الآمنة؛ أهل التضحيات الذين قد تودي بأرواحهم أغنية وطنية بإيقاعٍ عالي الحماسة، أولئك الصانعين من دمائهم لمعة النياشين.
يا جميلة أنا من الفقراء البؤساء المعدمين القانعين؛ أصحاب الخمسينات المهترئة الذين يغصّ بهم موقف السرفيس، ولا يملكون أمام زحمة التكاسي إلا الانتظار.
أنا من المحمَّلين بمطر الكوانين، الغارقين بوحل الدروب الترابية، السادّين رمق الحياة بالمناجل والمعاول والفؤوس.
أنا من المشنوقين بالخط الفاصل بين المتون والهوامش، المَنقوصين من الحياة؛ ليكتمل نصاب المُترَفين فيها.
قد أهرف بما لا أعرف؛ فلا تستغربي جَهلي بمسميات الأطعمة الغربية؛ فكيف لمن له مع الشاي والفلافل عِشرة عمر، أن يعرف الهوت شوكليت والميلك شيك والموكا، والكودو والتاكو والهارديز والتشيكن ليكن والتوست والكوردون والكنتاكي والبريمي؟!
لا تختبري ذائقتي بمسارح الأوبرا ولا في فُرق الراب والروك، فأنا، الريفيّ الطالع من رحاب الحقول وسعة البراري، الموسوم بالحنين والمسكون بثقوب الناي، مهووسٌ بالمواويل والنايل والموليا والميجانا والعتابا.
لا تبحثي عني خارج الحدود؛ فأنا من المُقعَدين على كراسي الانتماء، المؤمنين بنبوءة الوطن، والفالقين الجوع بمعجزة الراتب.
لا تبحثي عني في الصورة المرفقة؛ فأنا لست أحد أشقيائها؛ بل كلّهم.
-
سلمان وزودكتور في كلية التربية بجامعة الفرات باختصاص طرائق تدريس اللغة العربية.