( هند .. تلك عقدة الذنب ) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

( هند .. تلك عقدة الذنب )

قصة و حوار (تاج نورالدين) .

  نشر في 29 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

هند .. تلك عقدة الذنب. ( الحلقة الأولى)

يونس شاب يطل على عتبة الأربعين من العمر صاحب مكتبة عريقة ورثها عن أبيه الحاج العربي الذي

عمل على استقرارها وبسط سمعتها حتى غدتْ منارة للزبناء على مختلف مشاربهم الفكرية ومناهلهم

الثقافية .. وكان من الطبيعي للشاب يونس أن يقتفي اثر والده للحفاظ على مورد الرزق وذلك بالصفاء

في المعاملة والتواضع في المقابلة علما انه حاصل على دبلوم الإجازة في الأدب العربي مما مكنه من

توسيع دائرة المعارف وبسط حلقات التواصل مع كثير من الزبناء الذين كانوا ينظرون إليه بنظرة الفخر

و الرجولة و الإعجاب .

أما أمّه الحاجة فاطمة فكانت معتادة لزيارته بالمكتبة بعد صلاة كل عصر لتفادي ثقل الوحدانية و رتابة

البقاء لوحدها بالمنزل و خصوصا عندما التحقتْ ابنتُها سناء إلى الدار البيضاء للعمل في إحدى شركات

الاتصال كمشرفة على مصلحة شعبة الخدمات التقنيّة هناك .

إلا أنّ الأيام تحمل في أشرعتها رياح أقدار قد تشكل منعطفا حاسما في حياة بعض الناس ؛ فتنقلب

موازين حياتهم ، وتتبدّد مضامين أحلامهم ؛ فيتحول الحلو إلى مرّ والمرّ إلى قبول وإذعان للأمر الواقع .

وهذا بالضبط ما سينتهي إليه أسَفاً الشاب يونس الذي كان ينوي مفاجأة مستخدمته سميرة بطلب يدها

من أهلها لِما تتمتّع به من خلق رفيع وسلوك بديع لكنّ الرياح ستأتي بما لا تشتهيه السفن .

ففي عصر يوم الخميس؛ السابع من فبراير1996 وعندما كانت الحاجة فاطمة تتأهب للدخول إلى

المكتبة بادرها يونس مداعبا وهو يقول :

- نعم يا أمي الغالية إذا حضرت الملائكة على الشياطين أن تبادر بالخروج .

الحاجة فاطمة مبتسمة :

- أبعد الله عنك كل شيطان لعين.. إلى أين أنت ذاهب يا ولدي؟

يونس وهو يقبل يدها :

- قضاء بعد المآرب وسأعود بعد ساعة إن شاء الله وسيقوم أحمد بضيافتك كالمعتاد وسميرة بمباشرة

الزبناء ..لا تنسيْ صالح الدعاء لي أيتها الغالية .

الحاجة فاطمة :

- تذهب سالماً وترجع غانماً إن شاء الله... في رعاية الله يا ولدي .

في هذه الأثناء يأتي المستخدم احمد بعصير الليمون بعد أن هيأ للحاجة فاطمة جلستها المفضلة من

وراء الزجاج لترى وكالمعتاد ذهاب و إياب المارة بشارع (كليز) بمراكش أما سميرة فكان كلّ ودها

وهي تحاور الحاجة فاطمة أن تستبين ولو تلميحا من كلامها أن يكون يونس قد فاتحها في موضوع

يخصها لتتأكد من بعض التصرفات التي بدأ يونس في الأيام القليلة الماضية ينتهجها معها وهي

بالمناسبة تصرفات لا تخرج عن نطاق اللباقة فقط .. كحرصه على إيصالها إلى بيت أهلها بواسطة

سيارته وسؤاله لها عن أحوال أسرتها مما أثار تكهّنا لديها من أن يكون يونس يخفي بوادر حبّ لها قد

يفاجئها به ، في حين هولا يعلم أنّ المسكينة منذ ثلاث سنوات .. وهي لا تعرف حلاّ للوصول إليه سبيلا .

الآن الساعة تشير إلى السابعة ؛ والليل بدا يرخي أستاره ويونس لم يعد بعد .. فتنظر الحاجة فاطمة

بقلق مثير صوب سميرة وتسألها :

- ساعتين ونصف على خروجه من المكتبة أرجوك الاتصال بهاتفه النقال و اسأليه أن يطمئنني عليه .

تجيبها سميرة بعد أن حاولت أربع مرات الاتصال .. لكن دون جدوى :

- سيدتي هاتفه في خانة العلبة الصوتية

الحاجة فاطمة متوترة بعض الشيء :

- أرجوك .. اطلبي من أحمد أن يحجز لي سيارة أجرة أريد أن لا أتأخر عن موعد تناول الدواء..

ولا تنسي أن تطلبي من يونس ..الاتصال بي فور عودته كي اطمئن عليه .

سميرة :

- سأفعل ما تطلبين وتأكدي أن يونس لن يكون إلاّبخير يا سيدتي ، قد يكون سبب تأخره راجع لمعاينته

عددا من الكتب والمجلدات بدار النشر قبل اقتنائها وهذا قد يتطلب بعض الوقت .

الساعة تشير إلى الثامنة والربع مساءا في هذه الأثناء الحاجة فاطمة تدخل البيت مسرعة لكي تهيئ

وجبة العشاء ليونس وهي لاتدري أن ابنها يختفي في غرفته .. وأن قارعة حلتْ به وان مصيبة

من العيار الثقيل ألمّتْ به فمن وراء الباب لو نظرتَ إليه لملئتَ رعبا.. مرة يأخذ رأسه بين يديه وفي

بكاء خافت ينادي ..

- ما أتعسني .. ما أحقرني..

ومرة يأخذ بتلابيب معطفه وهو يوبّخ نفسه بنفسه مرددا :

- يا لك من نذل جبان ... يا لك من وقح رعديد ...لماذا لم تقف ..؟ لماذا آثرتَ الهروب أيها القاتل ..؟

ومرة يقف أمام أحد الجدران الأربعة.. و كأنه يريد أن يسْتلف من هذا الجدار شيئا من صلابته وقوته ..

- لماذا لا أقدّم نفسي للشرطة أليستْ مجرد حادثة سير ؟ وأنّ الفرار كان ضرورة كي لا يلحق بي أيّ

أذى من أهل الضحية ؟..

- ولكن ألم أكن على وشك الدخول إلى مخفر الشرطة فرجعتُ أدراج الرياح ..عندما تيقنتُ أن

عقد التأمين لم أقم بتجديده وبات قطعا.. أن غياهب السجن ستكون من نصيبي ..

- لمنْ أترك أمي ؟.. وصحتها بدأت بالتدهور والتدني ..

- لمن أترك المكتبة ؟ و قد تعبث بها الأيادي ..

وفي خضم هذا الصراع الداخلي بين السؤال و الجواب ومن دون أن يعي يونس بما يقوم به يضربُ

بقبضة يده على الحائط حيث وصلتْ رجتها بقوة إلى أذن والدته مما أثار فضولها المشوب بنوع من

الخوف والارتباك ..ولمّا توجهت نحو غرفة ابنها حيث مصدر الرجّة .. وبمجرد ضغطها على

زرّ الإنارة؛ حتى هالها منظره ؛ وهو يرتمي على قدميها قائلا :

- أدركيني أدركيني يا أماه .. أنا محتاج إلى خالص دعائك .. وستر رضاك.. محتاج إلى مناص هدايتك

وبر صلاتك .. محتاج إليك يا أمي في حل بصيرتي.. ومساعدتي في فك عقدتي .

الحاجة فاطمة في ذهول كبير :

- فداك عمري وحياتي.. فداك عيني وفؤادي يا ولدي ..قل لي فقط ما الخبر ؟ ماذا دهاك يا فلذة كبدي ؟

قم إلى جانبي ؟ والله كل شيء يهون في سبيلك .. مات أبوك وهو راض عنك ولن أموت إلا وأنا راضية

عنك .. فلا تبالي ولا تتحسر.. واحتسب كل بلواك لله رب العالمين ؟... قلْ لي فقطْ ماذا أصابكْ ؟ هل

تخاصمتْ ؟ هل تشاجرتْ ؟ قل لي .. هيّا تكلّم .. لا تخفي عن أمّك سرّا يا ولدي .

هند ... تلك عقدة الذنب : يتبع مع تاج نورالدين




  • 2

  • تاج .. نورالدين .
    محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...
   نشر في 29 ديسمبر 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

ابو البراء منذ 8 سنة
لا جديد علينا ابداعك فطالما رزقنا لمساتك الذهبية على هذه المنصة .... معك حتى النهاية استاذنا
1
تاج .. نورالدين .
كل التقدير و الاحترام لكم أيها العربي الأصيل .
في انتظار تتمة القصة يا مبدع :)
1
تاج .. نورالدين .
حاضر أستاذنا الرائع .. هناك حلقات مثيرة من التشويق و لمسات من فلسفة الواقع الخفي لذى بعض الناس .. شكرا لكرم المرور و التعليق اللطيف .. مودتي و احترامي .

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا