البعد العاطفي في السرد التعبيري - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

البعد العاطفي في السرد التعبيري

مقال قصير جدا\ التحليل الادبي الكمي

  نشر في 15 أبريل 2018 .

التعبير هو استعمال الكلام لايصال رسالة؛ وهو اما معنوي يوصل الرسالة بدلالة معنوية او عاطفي بايصالها بدلالة عاطفية. اذن لدينا تعبير عاطفي و تعبير معنوي. و اصبح واضحا اننا نريد بالتعبير العاطفي هو استخدام الزخم و البعد العاطفي لايصال الرسالة و لا يعني ان يكون المؤلف رومانسيا او متغزلا بالضرورة.

مما يفتح افاقا واسعة امام الكاتب و القارئ بل امام اللغة والوعي البشري كله هو ادراك وجود بعد عاطفي صلب و واضح للكلام في قبال البعد المعنوي، فكما ان هناك بعدا معنويا وهو ما يقصد عادة بالكلام فهناك بعد عاطفي يمكن قصده. قد يحصل احيانا قصد البعد العاطفي في الكلام؛ الا انه عادة ما يكون بشكل ثانوي و هامشي و مخبأ خلف المعنى و زائدا عليه، لكن البعد العاطفي قد يبلغ مستويات عالية في الكتابة التعبيرية؛ يتجلى فيها البعد العاطفي للكلام بوضوح بحيث يكون البعد العاطفي للتعبير ماثلا وبقوة امام المتلقي ( القارئ او السمع ) و بحضور مميز و فاعلية تعبيرية ملفتة، حتى انه قد يتغلب و يقهر البعد المعنوي؛ اي يكون هو الظاهر و البين وهذه هي التجريدية.

اذن لتجلي البعد العاطفي في التعبير من الجهة الكمية درجتان؛ الاولى: التجلي التعبيري وهو الحضور القوي الملفت للعاطفة في التعبير، و الثانية هي التجلي التجريدية وهو ان يكون البعد العاطفي هو الظاهر و الغالب و يكون المعنوي هو الثانوي. بعبارة ثانية في المستوى التعبيري يكون البعد العاطفي حاضرا في النص مع البعد المعنوي؛ اي كلاهما ظاهر و فاعل و اساسي وهذا في مقابل الاستعمال المعهود للكلام من ان المعنى هو الغالب و الظاهر و العاطفة ثانوية و هامشية، اما في مستوى التجريد فان الغالب و الظاهر و الاساسي هو البعد العاطفي و يكون المعنى ثانويا و هامشيا.

في نص " عيد غريب" وهو نص سردي تعبيري؛ حيث سرد كيانات غنائية تعبيرية تتدفق من العمق الشعوري في وسط سردي سلسل و متواصل في البناء و الحكاية. انه كسر الشعر و السرد معا و خلقهما من جديد. السرد التعبيري سرد ضد السرد؛ انه حكاية بلا حكاية. السرد التعبيري قصة ضد القصة و شعر ضد الشعر.

عيد غريب

أنور غني الموسوي

العيد شيء رقيق جداً، تعلّمناه كما تعلمنا حمل حقائبنا. إنّه ناعم كبشرة حلم صيفي يصنع منّا فراشات للربيع. كم كنت سعيداً حينما رأيت قلبه الدافئ. لقد أبهرتني شلالاته الوحيدة، كانت هادئة كضفيرة فتاة تلعب في حديقة من الزهور البيضاء. ذلك العيد الذي ممرنا به يوماً، و تلمّسنا كفّيه الناعستين، إنّني أراه بوضوح وهو يزرع حقله بحكايات بلّلت جبينها قطرات المطر. ذلك العيد القادم من مدن بعيدة. لقد رأيته بمعطفه الحريري يتلفت وسط الشارع كرجل غريب، يحيي بائع الزهور. يسيل في أوردتنا كرسالة عشق، فيطير بنا الى جزر من ثلج. كم كنت واهماً حينما ظننت أنّه إوزة مهاجرة.

- التجلي التعبيري للعاطفة و السرد التعبيري

نجد العاطفة حاضرة في الكلام مع المعنى و بقوته و بفاعليته في تعابير من النص منها

( العيد شيء رقيق جداً \ تعلّمناه كما تعلمنا حمل حقائبنا \ كم كنت سعيداً حينما رأيت قلبه الدافئ.\ \لقد رأيته بمعطفه الحريري يتلفت وسط الشارع كرجل غريب \ ذلك العيد القادم من مدن بعيدة \ يسيل في أوردتنا كرسالة عشق)

نلاحظ في هذه التعابير ان العاطفة و التعبير العاطفي كان حاضرا بقوة فيها و ان المؤلف اراد اضافة الى المعنى احضار و ابراز العاطفة كعامل لايصال الرسالة ببناء سردي وهذا هو ( السرد التعبيري).

- التجلي التجريدي للعاطفة و السرد التجريدي

بينما رأينا و تلمسنا المعنى - بشيء من التعاونية- فيما سبق من عبارات فاننا نجد عبارات اخرى في عيد غريب قد تخلت عن التعاونية وعن التوصيلية و صارت غارقة في عالم من التعبيرية العميقة كما في :

( إنّه ناعم كبشرة حلم صيفي يصنع منّا فراشات للربيع \لقد أبهرتني شلالاته الوحيدة، كانت هادئة كضفيرة فتاة تلعب في حديقة من الزهور البيضاء \ إنّني أراه بوضوح وهو يزرع حقله بحكايات بلّلت جبينها قطرات المطر \ يطير بنا الى جزر من ثلج \ كم كنت واهماً حينما ظننت أنّه إوزة مهاجرة )

نلاحظ خفوت البعد المعنوي في هذه العبارات و بينما نجد بصيص المعنى و بعده في عبارة (انه ناعم ) الا ان التعبيرية تتجرد جدا في عبارة ( كبشرة حلم صيفي ) و بينما نجد البعد المعنوي ولو خافتا في ( ابهرتني شلالاته الوحيدة) الا ان التعبيرية توغل في الخصوصية و التجريد في عبارة ( كانت هادئة كضفيرة فتاة) و ايضا نتلمس شيئا من المعنى في (انني اراه بوضوح ) الا ان التعبيرية توغل تجريدا في عبارة ( حكايات بللت جبينها قطرات المطر) و تبلغ التعبيرية في هذا النص اقصى درجاتها التجريدية في عبارات ( يطير بنا الى جزر الثلج ) و عبارة (كم كنت واهما حينما ظننت انه اوزة مهاجرة).

اننا نلاحظ العمق التأويلي و المساحة الانثيالية التي تصاحب قراءة العبارات الاخيرة، الا انها لم تكن جافة و محلقة و انما كانت قريبة و سلسة بفعل البناء السردي لتلك التعبيرية التجريدية وهذا هو نظام ( السرد التجريدي)



   نشر في 15 أبريل 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا