ليلة ستبقى محفورة في الذاكرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ليلة ستبقى محفورة في الذاكرة

  نشر في 11 شتنبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 05 يناير 2024 .

    في ليلة الجمعة الثامن من شتنبر 2023، كان الناس على العادة التي آلفوا عليها بعضهم، هناك من ينتظر بالعشاء قدوم ابنه من العمل، وهناك من ينتظر قدوم أبيه أو أمه من العمل. أما في القرى نواحي مدينة مراكش ومدينة ورززات ونواحي تارودانت وباقي القرى المغربية... آلفو على الدخول إلى منازلهم مبكرا، لأن طبيعة الحياة في القرى تفرض عليهم المكوث خارج المنزل بوجود ضوء النهار، ومن خالف هذا فقد أجبل على ذلك لظرف خاص.
     وفي الليلة المذكورة، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر ليلا وكان الظلام يسود على كل أرجاء السواحل الأطلسية في القرى عكس المدن التي تشرق فيها شمس المصابيح بعد غروب الشمس. ومن المعلوم أن أهل القرى ينامون باكرا قصد الاستيقاظ المبكر، فإن أغلبهم ينتظر فقط من أجل قضاء صلاة العشاء قصد وضع الرأس على مخدات التفكير فيما سيفعل غدا حتى يغوص في الحلم بين الواقع والخيال.
    وعند حلول الساعة الحادية عشر واثني عشر دقيقة هبت رياح القدر لتنفض الغبار على الواقع وتعري معاناة هؤلاء الناس الذين يكتمون أسرارهم في هامش الحياة. ثوان فقط كانت كافية من أجل غضب جزئي للأرض. رمشة عين فقط كانت كافية من أجل ردم أرواح بريئة تحت الجدران الطينية المنقلبة رأسا على عقب.
    يا لها من لحظة تعجب في هذه الحياة غير الآمنة. بين لحظة وأخرى انقلبت الأمور؛ كان الناس في أمان مع عائلاتهم يعيشون السعادة المؤقتة بين لحظة وأخرى أصبح البعض تحت التراب وأصبح البعض الآخر بلا عائلة تحميه وبلا مأوى يأويه.
    من استطاع النجاة أصبح أمام أمرين؛ أيبكي على فراق أهله، أم يبحث عنهم تحت التراب: لا يدري أأحياء هم أم أموات؟ لحظات عصيبة، أم يفرح لنجاته من الردم تحت هذه الأنقاض؟ في هذه الليلة جل المناطق التي عرفت وصول موجات الزلزال لم يناموا لخوفهم من الأمان الذي منحه لهم المنزل سابقا.
    الناجون في تلك القرى لم يهدأ لهم البال حتى اجتمعوا من أجل البحث عن الناس وإنقاذهم، ظنا منهم أن المساعدة ستأتي من الدولة على الفور من أجل تعبئة الوسائل قصد مساعدتهم في دفن الشهداء، وإنقاذ الجرحى. استمروا في تلك الليلة يبحثون بأيديهم ويحفرون بوسائل تقليدية التي عثروا عليها.
    استيقظوا على ذلك الحال، وبعضهم يناجي في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إغاثتهم، والبعض الآخر وجد نفسه وحيدا بلا مأوى والآخر وجد نفسه ينظر في الجثث ملقاة على الأرض... والبعض الآخر ممن استطاعوا إنقاذه من تحت التراب يحمد الله على هذه الحياة الجديدة ويعتبر نفسه مولودا جديدا يستطيع رؤية أبنائه الناجين من الموت، والبعض الآخر يبكي بحرقة على الحياة التي عادت له بعد وفاة جميع أبنائه وأسرته.
    أما في المدن فقد ذاقوا جزءا صغيرا من تلك المرارة الصعبة التي عاشها أهل القرى ولا زالوا يعيشونها بسبب الجثث التي لا زالت عالقة تحت الأنقاض. فقد فروا من المنازل إلى الأزقة والساحات القريبة من الأحياء قصد الأمن والأمان، هناك من أتى بفراشه إلى العشب ونام، وهناك من لم ينم؛ إذ بات إلى جانب أبنائه قصد حمايتهم، وهناك من نام داخل سيارته. وهناك من عاد إلى الداخل لينام قصد الاستيقاظ باكرا من أجل العمل أو الدراسة. وهناك من يتصفح صفحات مواقع التواصل ويقرأ منشورات مخيفة تخبر الناس بأن الزلزال سيكون بعد ساعات على شكل ضربات ارتدادية.
    بدأت الأمور تتضح، بدأت الشرائط تتهاطل على المواقع، بدأت القنوات العالمية تتحدث. الكل يتحدث عن الزلزال، والناس لا زالوا يعانون ويلات التهميش رغم المصيبة التي أصبحوا عليها. بدأت الصورة تتضح بدأ الواقع يبدو صعبا على العين من أجل الوصول إلى ذلك المكان فما بالك بالوسائل التي سيقومون بالبحث بها.
    تجندت السلطات من أجل الاتجاه نحو هذه المناطق، ولكن للأسف من كان في حاجة للإنقاذ من تحت الأنقاض قد غادرت روحه إلى دار البقاء. بقيت فقط جثثه تنتظر دورها من أجل استخراجها ودفنها. ناهيك عن المواشي والبغال والحمير البقر الكل تحت التراب مستقر.
 
    في كل مدينة من المدن المغربية تجد متطوعين يجمعون التبرعات، هذا يتبرع بالخبز والآخر بقنينات ماء، والآخر بالحليب والتمر والآخر بالدقيق والزيت، والآخر بوسيلة النقل، والآخر بمشاركة المنشورات على المواقع من أجل وصول الخبر إلى الناس الذين يريدون المشاركة ولا يعرفون كيف وأين، والآخر بالدعاء... وهكذا في جل أرجاء الوطن المغربي، في وقت الحزة والشدائد تعرف الصديق من العدو. أما من ناحية أخرى هناك دول تنتظر فقط الضوء الأخضر من السلطات المغربية من أجل الإغاثة والإعانة، وهناك دول ساهمت ماديا وأخرى معنويا.
    الشعب المغربي جسم واحد إذا اشتكى منه جزء تداعى له الآخر بالسهر والبكاء. إذ أصبح المغرب في حداد وطني حزنا على المغرب العميق. هذا المغرب العميق بأحزانه وأغواره قد اتضحت الآن وأصبحت ظاهرة للعيان. إذ يعاني من تدني البنية التحتية ولا طرقات ولا الكهرباء ولا شبكات التغطية. لا المنازل.... هذا نموذج من نماذج كثيرة لمناطق المغربية لا زالت تعاني نفس الويلات والصعوبات.

    ألا يمكن الانطلاق من هذه الفاجعة من أجل تسليط الضوء على القرى، وتنميتها وإصلاحها قصد مغرب الغد، واعتبار هذه الفاجعة ضارة نافعة؟



   نشر في 11 شتنبر 2023  وآخر تعديل بتاريخ 05 يناير 2024 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا