سافرن أنى شئتن.. فليس ذلك بنشوز - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

سافرن أنى شئتن.. فليس ذلك بنشوز

  نشر في 10 نونبر 2018 .

أوقاتكن ملك خالص فلا تجعلنها رهن التقاليد البالية والفقه العقيم والعقول المادية؛ فلبس في دين الله سيادة لبشر على بشر!!..

تعارف الجهلة على تفسيرات ساذجة للقرآن والسنة تنم عن جهل بروح الدين، وقيم الإنسانية، وقصور في استيعاب اللغة، واختلطت في أذهانهم الأعراف المادية الوضيعة بقيم الدين الروحانية العليا... فنسوا أو تناسوا أن الله لم ولن يفرق بين إنسان وآخر على أساس الجنس، بل لا يفرق بين الإنسان والحيوان في مقتضى الرحمة بكل ما له روح فمالكم كيف تحكمون؟!

ومن الأمور الحياتية التي يتجلى فيها الجهل بعدل الله؛  افتاؤهم في العلاقات الزوجية بما لا يدركون، وتطرف بعضهم بإسقاط  تلك المفاهيم على كل علاقة بين الذكر والانثى، فجعلوا من الرجل قيما على كل امرأة  تمت إليه بقرابة حتى إن كانت أمه او اخته او قريبته لمجرد أنه قد يخلف عائلها في الانفاق عليها!.. ونسوا أنها ايضا قد تخلف أمه أو زوجته في تدبير شئون الدار،بجانب عملها المهني.

فهم يفاضل على أساس القوة لا التقوى:-

اشتط الناس في تقييم العلاقة الزوجية، وللأسف فإن تلك المغالاة أسهمت فيها أعراف المجتمع بنسائه ورجاله، فرفعوا من شأن كل من يملك القوة المادية، وهو الرجل في الغالب، والذي قد يمتلك قوة المال والعضلات)، أو حتى من يمتلك المركز الاجتماعي الموروث والتفوق الأكاديمي وإن افتقر للمعرفة الحقة!!.. فهل من يقدم المادة والمال يستحق التقديس لدرجة إذلال من يقابله في تقديم أمور حياتية معنوية غير ملموسةأو سريعة العائد؟!..

لكن الله سبحانه قد وزن الحياة كلها من فوق سبع سماوات، ولم يدعها لتخرصات الجهل وطغيان الماديات، ، فالله يقول :( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).. ذلكم هو الأساس الذي تقوم عليه الأسرة..السكن والمودة والإلفة والتراحم بين كل أفرادها، لكل حق وعليه واجب، ولا سلطان لأحد حتى للوالد على ولده إلا بما تقتضيه التربية..

ندان متعاقدان:-

الزوجان شريكان في كل ما يتعلق بحياتهما مع اختلاف الأدوار ، لتباين طبيعة كل منهما والتي يجب أن تتكامل ولا تتنافر.. وعلى الرغم من أن المحبة هي الأساس الذي بنيت عليه الحياة الزوجية؛ لكن الله سبحانه لعلمه بطبيعة النفوس، وما يشوبها من تقلب وشح وأنانية، فرض فيها الأسس والأركان القويمة، وقيدها بشروط تلزم الطرفين، وجعل لذلك عقدا مكتوبا يشهد عليه شهود.. هو شريعة المتعاقدين، حتى لا يتغول طرف على صاحبه..وأباح فيه كل ما يتوافق عليه الطرفان من شروط، وحتى إن  كان لا يحتوي عليها؛ فحدود الله واضحة في كل ما يتعلق بالعلاقة المقدسة، المهر والانفاق على الذكر، وحسن التبعل على الأنثى، وعلى كل أن يحفظ رفيقه في النفس والعرض والمال، ومثلما يلزم الزوج بالانفاق لمقابلة حاجات شريكته المادية من مأكل وملبس ومأوى؛ فالزوجة ملزمةبالاستجابة لحاجاته المادية في النكاح، وإلا عد الأول لئيما ظالما، وعدت الثانية ناشزا.. وحق لأي منهما الاعتراض على صاحبه في تقصيره،  باللين والحسنى ، وتحكيم أولي الرأي، ثم الاحتجاج والغضب في نهاية الأمر...

واجبات وحقوق متبادلة:-

لطبيعة المجتمعات التي تعلي من شأن القوى المادية؛ لم يركز أحد على واجبات الزوج كما الزوجة، بل عدوها كأنها إحسان وتفضل، في الوقت الذي أذهبوا فيه وزادوا في تضخيم واجب الزوجة، وخلطوا الحابل بالنابل فاعتبروا الزوجة تلميذة أو ابنة - ولن أغالي فأقول خادمة- عليها تنفيذ أوامر كببرها!!.. وجعلوله الحق الإلهي المقدس، بينما أوجزوا ومروا مرور الكرام على حق الزوجة؛ فاعتبروا الدراهم التي يدفعها عند العقد أجرا مقدما عليها بموجبه أن تقوم بحراسة المنزل لا يحق  لها مغادرته كأنها ( غفير) ، وفوق ذلك هي عامل يجب أن يقوم  بتنظيفه، ومربية عليها رعاية أطفاله، وطاه يعد الطعام على هوى أفراده،. أما شئونها الخاصة فلا يجب أن تمارسها إلا بعد إذن صاحب المؤسسة التي تعمل هي فيها بكل الوظائف، وأباح له بعضهم أن يمنعها من مزاولة مهنة تكسب منها المال لتصريف شئونها، بحجة أنه يكفيها ونسوا أن كفايته لها دين في عنقه، واكتسابها للمال حق لها، فهي بشر تحصى أعمالها وتحاسب عليها، وتحصي أموالها وتحسبها وتصرفها كيفما شاءت.. " للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن" .

وفي الجانب المقابل صوروا الرجل كمكافح يتعب ويشقى لأجلها في الحر والقر، بينما تستكين هي في الظل فمن واجبها الشكر والامتنان ثم الخضوع - إن أتى بالكثير فعليها مكافأته، وإن لم يستطع إلا القليل فعليها الصبر والرضا بما قسم الله - ويحق له بذلك الأمر والنهي والمحاسبة على التقصير بشأن الوظائف التي اكرمها بنيلها!!.. وما علموا ان كل تلك المهام تفضل منها وتصدق.

  ومن ادعى منهم فهم الدين، وأدرك أن تلك الوظائف لبست ملزمة لها، اعتبر تقصيرها حيالها تعنتا ونكران جميل، واتهمها بالتضييق على شريك حياتها ذلك المتعب المسكين الذي يأتي ليبحث عن الراحة في بيته فلا يجدها، فقد وقع عليه ظلم بين ولعنت من بخسته حقه مهما كان ظرفها!!.

ما بين التعنت والنشوز يكمن التشاور:-

 بالاستناد إلى حق الزوج طالبوا الزوجة بالاستئذان في كل أمر حتى مواصلة الأرحام، ولم يبيحوا لها العمل إلا بالاتفاق مع زوجها عند العقد، مع احتفاظه بالحق في منعها من آداء المهام التي توجب عليها السفر والابتعاد فترة من الزمن، لأن ذلك يهدر حقه في الاستمتاع بمعاشرتها أنى شاء، وتناسوا كل ما بنيت عليه الحياة الزوجية من تعاون وتراحم، يراعي فيه كل طرف ظرف صاحبه؛ وما ذلك إلا لأنه صاحب الغلبة المادية، الذي دفع الأجر المقدم لمقابلة رغباته الغريزية، (وكأنما الشوق سيقتله في تلك السويعات التي تغيب فيها مجبرة)!.. وما علموا أن ما يدفعه غرم لتكليفه إياها فوق طاقتها بسبب طبيعته السيكولوجية.. والمدهش في الأمر أن أحدهم قد يغيب هو الآخر بسبب عمله، بينما يعترض إن غابت زوجته أثناء غياله لسبب أقوى، لتقصيرها في واجب الحراسة وما جاورها من وظائف!!.. وعلى الرغم من أن الاشراف على شؤون المنزل والصغار ليس وظيفة المرأة وحدها، لكنها إن غابت مكرهة يقع على عاتقها إيجاد من يرعاهم من أقاربها.

لكن رغم ذلك (فالمتفيقهون) يعطون للرجل كامل الحق في الاعتراض والمنع والاعضال، بل ويعتبرونها ناشزا!!.. فهي لم تخضع لاعتراضه وكان من واجبها مقابل تلك (الدريهمات ) أن تتنازل عن كل التزاماتها الاجتماعية والاقتصادية؛ لترضي صاحب التمويل الأكبر، فمالكم كيف تحكمون؟!..

إن الله لا يظلم مثقال ذرة:-

الحياة مبنية على التعاضد والتراحم، وليس على الموازنات المادية، وإن أردتموها كذلك فالدين لم ولن يظلم المستضعفين ويدعهم أسرى العرف والفقه العقيم؛ فتعالوا إلى كلمة سواء لتدركوا كيف يحمي الله الحقوق ويحق الحق ويبطل الباطل.. يفرض البر والإحسان والإنسانية؛ لكنه يعلم شح النفوس فيضع لها ما يردعها من أسس ولوائح عدلية، فالعقد الذي بني عليه الزواج هو بين طرفين متساويين في كل صغيرة وكبيرة، وإن أعطي الرجل بموجبه حق الطلاق دون الرجوع إلى القضاء؛  فما ذلك إلا لأنه غرم المال الذي ثشح به النفس ويعز إهداره، مما يستوجب التأني، وفي الوقت ذاته أعطيت  الزوجة حق اشتراط ما تريد من مال حتى لا يكون اختياره المفارقة مجرد استهتار ،وهوى، كما أعطي له ذلك الحق لأنه  إن كره لم يعد بمقدوره المعاشرة فينتفي ركن من أركان الحياة الزوجية، كما أتيحت له فرصتان للتراجعللتراجع لأن الانسان عجول بطبعه

ومن رحمة الله بعباده لم بسقط حق الزوجة في الطلاق؛ فلها أن تشترطه في العقد تحسبا، أو لخشبتها ألا تقيم حدود الله إن كرهت، كما أبيح لها الطلاق دون التنازل عن مهرها ، عند هجره إياها أو تقصيره البين، والخلع إن أبغضته ولم تعد تطيق معاشرته..

رحمة الله لا حصر لها ولا عد، ولا تفرق بين القوي والضعيف والغليظ والرقيق،  فنفس العقد الذي اباح لها الطلاق والخلع، أعطاها حق الاشتراط كيفما شاءت، و من ذلك حقها في العمل وكسب المال  وإن لم يكن قد وضح بتفاصيله فهو معروف ضمنا.. للعمل متطلباته التي تتعارض مع حاجات البيت والزوج، فهل يعني ذلك أنها نشزت؟!.

النشوز افتراء على الله والأحبة، وليس للضرورة القاهرة والحاجة الماسة شأن بذلك، بل يجب التعاضد والتراحم وسد الثغرات وليس الضيق والضجر والتلويح بانتزاع الحقوق.. فالعائد المادي والمعنوي من العمل جله لمستقبل الأبناء؛ لكن أصحاب العقول الذكورية تأخذهم العزة بالإثم...

احرصي على واجبك ولكن.. اعرفي حقك:-

ناقشي تحاوري أفهميه وتفهميه، واطلبي حقوقك باللين والحسنى مع إبداء حسن نيتك، فإن لم يستجب لك، فالطريق مشرع أمامك كي تضعي أمامه الخيارات؛ إن كانت حاجتك الاجتماعية والاقتصادية لا تحتمل تعنته، وكل من له عقل راجح يدرك أن الحياة مشاركة، ومن يملك ذرة من الإنسانية، لن يقوض بسبب غياب عابر لمدة أسبوع، ما ابتناه عبر السنين على المودة والرحمة...

   * نهلة مالك الوزان


  • 2

   نشر في 10 نونبر 2018 .

التعليقات

اقف احتراما لهذا القلم الراقي والكاتبة المرموقة . نهلة .. سيدتى الفاضلة مقالك قمة في الاخذ والعطاء المبنى على دارية وفهم للحقوق بين الأزواج ودليله ما كتبت يداكى ( ناقشي تحاوري أفهميه وتفهميه، واطلبي حقوقك باللين والحسنى مع إبداء حسن نيتك، فإن لم يستجب لك، فالطريق مشرع أمامك كي تضعي أمامه الخيارات؛ إن كانت حاجتك الاجتماعية والاقتصادية لا تحتمل تعنته، وكل من له عقل راجح يدرك أن الحياة مشاركة، وكذلك مودة و رحمة...) تحياتى وتقديري لكى مجددا
0
Nahla Malik نهلة مالك الوزان
تحياتي وتقديري لكم أخي الكريم على حسن قراءتكم وعميق فهمكم
جنات محمد منذ 5 سنة
شكرا سيدتي على اتزان كتابتك و تفكيرك العميق سلمت و سلم قلمك
2
شاعر النيل منذ 5 سنة
لله الامر فى خلقه و تدبيره
3
تحياتي. .
2

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا