من هي أمّي؟ لا أحد يعرف أمّي! لكنّني أعرفها جيّدا و أكثر من أيّ كان...
أمّي امرأة ككلّ النّساء، لكنّها ليست مثلهنّ! قد تبدو للوهلة الأولى صلبة كالحديد، لكنّها تخفي وراء تلك النّظرة الجادّة طيبة لا مثيل لها. لعلّ ذلك راجع إلى كلّ ما مرّت به من ظروف صعبة، وتجارب قاسية دفعت بها الحياة إليها منذ نعومة أظافرها، لا لشيء سوى لأنّ الأقدار شاءت أن تكون هي الأخت الكبرى لخمسة أطفال، أي الأخت الأمّ!
استرقتُ نظرة خاطفة إلى المرآة هذا الصّباح، و تفاجأت بانعكاس ملامح أمّي على وجهي. أنا و هي وجهان لعملة واحدة، رغم تشابهنا الكبير و ربّما تطابقنا، إلا أنّنا مختلفتان تماما! رغم أنّنا مررنا بمواقف متشابهة بعض الشّيء، إلا أنّنا تعاملنا معها بطرق مختلفة. أمّي فضّلت في وقت مضى التّضحية بأحلامها كي تسهر على راحة الآخرين. لكنّني لم أضطر لفعل ذلك، لأنّني بكلّ بساطة لم أجد نفسي أمام خيار كهذا. الفرق بيننا يكمن في كونها أمّي! هي أمّي بكلّ عيوبها و بأشيائها الجميلة. هي أمّي بطرقها الغريبة في التّعبير عن حبّها لي، و بدكتاتوريّتها الطّريفة حين تستخدم سلطتها كأمّ في إسكاتي لدى تضارب وجهات نظرنا و آرائنا.
عوّدتني مذ كنت طفلة أن أجعل هدفي الأوّل تحقيق ذاتي. علّمتني أن لا أكون كالأخريات و أن لا أجعل أكبر طموحي رجلا! هي من علّمتني أنّ اختيار الشّريك المناسب لحياتي هو اختياري أنا وحدي. أدين لأمّي بكلّ حرف كتبته أو قرأته. هي أوّل من حرّك قلمي و أوّل ملهمة لنصوصي الطّفوليّة. هي من قالت يوما "دعوها تكتب!". هي من أحاطت عقلي بالخيال، فتلاشت الحدود من حول خيالي. في كلّ ليلة حكاية... كنت أرى أمّي شهرزادا تخرج من ألف ليلة و ليلة كي تقرأ لي كتابا كلّ ليلة! كنت أراها بكامل أنوثتها داخل البيت، و أراها كلّ صباح ترتدي الرّجولة و هي تغادره، لتعود إليّ في المساء بكتاب! كنت أرى تماسكها في عينيّ أبي المريض، و انكسارها يوم وفاته، لتعود و تقف على صبرها من جديد. كنت أسترق السّمع و هي تتضرّع إلى الله في سجودها، و في كلّ مرّة لم تكن تطلب شيئا لنفسها، كان كلّ دعائها لنا.
أغضب من أمّي أحيانا، لأنّها لا تزال تقدّم تضحيات من أجل الآخرين على حساب سعادتها، و ما تزال تشغل نفسها بمشاكل الآخرين و همومهم. (ملاحظة: كفّي عن ذلك أمّاه!)
غدا عيد ميلاد أمّي. و بما أنّني على بعد موجات بحر منها، و ساعة تسبق توقيت ساعتها، لم أجد سوى أمنية أهديها لها. أريد منها أن تكون أنانيّة! أريدها أن تعيش لنفسها، فقد عاشت حياتها السّابقة للآخرين، و هذا فيه ما فيه من كفايته. أريدها أن تبدأ من جديد مع نفسها، و أن تغتنم ما فاتها من فرص أنا متأكّدة أنّها سوف تعود. أريدها أن تحبّ و أريدها أن تظلّ حبيبتي كلّ عام.
-
أسماء بوزيدطالبة في قسم اللّغات، أدب و حضارات أجنبيّة (تخصّص لغة انجليزيّة)و مشروع كاتبة.
التعليقات
(هي أمّي بطرقها الغريبة في التّعبير عن حبّها لي، و بدكتاتوريّتها الطّريفة حين تستخدم سلطتها كأمّ في إسكاتي لدى تضارب وجهات نظرنا و آرائنا.)
أعجبتني جدا تلك الفقرة ....
احيانا فعلا نكون أباء وامهات ديكتاتوريين تجاه ابناء لكن ليس بالمعنى الحرفي للكلمة بل خوفا وحرصا عليهم
مقال رائعة اسماء ( بعد غياب ..... اكيد الامتحانات اسال الله العظيم ان يكتب لكى التوفيق والنجاح)