خيبة العرب بأي جدار يتدارون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خيبة العرب بأي جدار يتدارون

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 16 فبراير 2019 .

خيبة العرب بأي جدار يتدارون..

هيام فؤاد ضمرة..

أي نكتة، وأي مهزلة، وأي استخفاف بعقول الناس، تلك التي خرج بها المجتمعون في وارسو من وزراء خارجية عرب وأجانب، كنتيجة تمرر كل أساليب الاستغباء بعقول البشر وعلى رأسهم العرب ذاتهم، فالمؤتمر يأتي بصورته الملتبسة تاركاً النهاية تبدد الحقيقة التي طبخت على نار هادئة بكثير من السرية.

من الواضح أن المشاركين حملوا معهم ذكاءهم المعهود أو المطبوخ في أوعية الطبخ الأمريكية والاسرائيلية سلفاً، معبأ في علب من صفيح فصلت بحجم ما يملكه عربنا الميامين من عقول عبقرية تفوق حدود الممكن وتعي المصلحة الحقيقية في المنطقة لأي جانب عليها أن تميل، وواضح أن هذه الاجتماعات إن كان العرب مشاركين بها أو لم يكونوا مشاركين فالمحصلة واحدة، والطبخة قد اعدت بمقادير دقيقة تم التجهيز لها لتكون بطعم الانتصار لاسرائيل وبالطبع لربة الوليمة أمريكا، بل وتم لها اختيار الشخوص الذين سيوقعون على كل شيء دون أن تهتز أيديهم أو ترتبك ضمائرهم.

خرجت إلينا الصحف العالمية بالبشرى الكبرى لمطبخ مؤتمر وارسو بإعلانه نهاراً جهاراً أنّ الشر الأكبر والعدو الأخطر في منطقة الشرق الأوسط هي الجمهورية الإيرانية.. فهل حقا ايران التي شيطنها الإعلام الغربي باتت هي الخطر المحدق في المنطقة؟ ومنذ بعض حين كانت شريكة لأمريكا في محاصصة العراق وأطلقت يدها في ذبح العراقيين دونما رحمة؟..

فيما اسرائيل خرجت من المؤتمر نظيفة اليد غير متهمة ولم تمارس الارهاب المنظم، وكأنما لم تكن كل الأصابع تشير إليها على أنها سبب الفوضى والإرهاب بالمنطقة.. اسرائيل التي ذبحت شعب فلسطين، وهجرت منه الملايين، واحتلت وطنه بالقوة والحيلة، وحاصرت القطاع بطريقة لا إنسانية منعت عنه الحياة والعلاج وخنقت شعبه وقتلت منه مئات الآلاف، واستخدمت ضده الأسلحة المحرمة دولياً، وارتكبت في حق الشعب الفلسطيني الأعزل المذابح والمجازر والتصفيات، وهددت أمن دول المنطقة المحيطة وتحكمت بالاقتصاد العالمي ليمتد التفقير إلى الشعب الفلسطيني ودول الجوار لتمنع مد المواطنين بالداخل بأي مساعدة إنسانية، والتي تمارس العنصرية بأجرأ حالاتها، وتجمِّد حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتحرمهم حقوقهم الإنسانية بالوطن والأرض والممتلكات.. ثم تخرج تلك الطفلة المدللة اسرائيل من كل هذا خارج الاتهام فتشفع لها قلوب جماعة وارسو، وتنصِّلها من كل الحروب التي طالت دول المنطقة.. (وكأنك يا ابن يعقوب برئ من كل تلك الذنوب).

لسنا نلوم المجتمعين في وارسو من المنتسبين إلى جنسيات غربية فهم ليسوا من العرب حتى يكونوا سنداً عادل لقضايا العرب، إنما ما القول عن المشاركين العرب من دول العرب، فهل تطبيعهم مع العدو الأكبر اسرائيل يحوله للصديق المسالم وكأنما غسل له يديه للتو من أثر دماء الأطفال الفلسطينيين؟ أي عار هذا يا عرب عدوكم الآن صار جمهورية ايران، وصديقتكم القريبة باتت اسرائيل المحتلة وطن الفلسطينيين وقدس الأقداس قِبلة المسلمين الأولى ومسرى ومعراج رسولكم الكريم ؟ .. أي زمن أغبر هذا يا عرب؟

لقد تم توقيت المؤتمر ومخرجاته بعناية فائقة بعدما تم التسليم بأن القوى العظمى تمكنت بحيلها وألاعيبها من جر إيران للتورط في كثير من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بحجة بسط النفوذ الشيعي بعيداً تماما عن قضية المحور الإسلامية وهي تحرير مدينة القدس والوطن فلسطين أرض الرباط والمحشر..

تماماً مثلما تم توريط صدام حسين في حرب إيران أولا لهدف أنْ تقضي إحدى القوتين على غريمتها ثم الاستفراد بالصامد منهما، ومن ثم في احتلال صدام لدولة الجوار الكويت لجره إلى صراعات ثانوية بعيدة عن القضية الفلسطينية الأساس في أولويات القضايا العربية، لهدف ايجاد مبرر للقضاء على دولته العراق التي وصلت بقوتها وحضارتها إلى موقع الصدارة بين الدول العربية، وباتت تشكل تهديداً لأمن دولة الاحتلال اسرائيل، وللأسف الشديد استغلت الفئة الخائنة لتحقيق النصر عليه ومن ثم تدمير كافة القوة الاقتصادية والعلمية والمخزون المالي العراقي والنفط وتثير النعرة الطائفية بين السنة والشيعة مما أدى لحرب أهلية طاحنة اجتمعت لها كل تلك الأسباب التي اختلقتها دولة الشر المركزية لتعيد العراق ألف سنة للخلف وتأمن جانبها على دولة الاحتلال..

هي اللعبة ذاتها تلعبها اليوم دولة المحور بخبث المستعمر ولؤمه الدفين، لتثبيت قدم اسرائيل في المنطقة والتخلص من القوى الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط واحدة تلو الأخرى، وقد باتت إيران اليوم هي المحور المهاب بعدما تصاعدت قوتها واقتربت من امتلاك قنبلتها النووية.

أما مصر التي كانت تحتل دور القيادة العربية فقد سلمت الراية لمن يُسارع إلى تناولها من يدها ومن ثم سارعت إلى أن أدارت الظهر للقضية الفلسطينية، لأنها أدركت أنها تقف في الترتيب التالي إذا ما تصرفت بسرعة ورفعت رايتها البيضاء مسبقاً دونما مواجهة مخاطر هي في غنى عنها، لأنها تعلم علم اليقين أنّ شعبها غير قادر على المواجهة وقد نخرته المخدرات والحشيش من الداخل وباتت تسيطر عليه تماما في مواجهة الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.

فيما دول الخليج تعيش تحت تهديد البعبع الإيراني وتواجه توترات شيعية داخلية تحركها عن بعد أصابع إيرانية لهدف الامتداد وتوسيع رقعة التشيّع بين وقت وآخر، مما يجعل دول الخليج تسارع الخطى متصدرة في مقدمة المطبعين مع دولة الاحتلال لكسب رضى أمريكا وتحييدها عن قضاياها الداخلية غير ملتفتة للحق العربي الفلسطيني وقضية العروبة.

وكما يتوضح ملياً أن الدعوة الجريئة تأتي من الحكومة الأمريكية بصورة علنية غير متدارية وراء شعارات، فقد باتت كل العروض مفرودة على طاولات البحث أينما جاءت، وهو ما تحدث عنه في البدايات مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي المستقيل حول تأسيس منظمة جديدة بإسم (منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر) لتكون بمثابة حلف عسكري تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية "مصر والسعودية والكويت والامارات وقطر والسعودية وسلطنة عمان والأردن".. وتحتل فيها اسرائيل صفة المراقب على اعتبار أنها الأقدر والأوثق بين الحلفاء على ما يبدو، تربطهم اتفاقية دفاع عسكري مشترك، ولها أهداف ثلاثة: القضاء على داعش والتصدي للاسلام المتطرف، ومواجهة ايران وكبح جماحها، والتطبيع الكامل مع دولة الاحتلال الاسرائيلي وقبولها كدولة شرعية ضمن دول المنطقة.. وكما نلحظ أنّ ما صدر عن مؤتمر وارسو لا يبتعد قيد أنملة عن أهداف الحلف المعلن ولا يخرج عن نفس طبيعة الاتفاقيات الاستعمارية المعهودة وتعزيز التبعية للمركز، وتحقيق الفوز للمصلحة الاسرائيلية بنيل الأمن والسلام.

ولا يفوتنا أنه قد تم تأجيل طرح الاتفاقية حتى تكتمل التحضيرات وحتى تأتي توصيات مؤتمر وارسو كمعزز لخطط التقارب في حضور مناخ ملائم يجذب المزيد من الدول العربية إلى هذا الحلف وإلى التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال وبهذا تكون أمريكا نجحت تماما في فرض واقع وجود اسرائيل ضمن دول المنطقة بالصورة الشرعية وتقبل يهوديتها ووجودها، وبذلك تكتمل عناصر صفقة القرن ويقضى تماما على القضية الفلسطينية وعلى حق العودة للمهاجرين قسراً.

وفي غياب الجانب الفلسطيني المعترض احتجاجاً على المؤامرة التي سيتم الاعلان عنها في نهاية المؤتمر فإن الجانب العربي تصرف وكأن الأمر لا يزيد ولا ينقص ومضى بخططه المرسومة على ما أرادته واشنطن

في نهاية المطاف لن نستغرب أن يخرج رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو في أعقاب المؤتمر مَلكاً نافشاً ريشه مختالاً كالطاووس.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 16 فبراير 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا