دولة فلسطينية، القدس، حوار بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دولة فلسطينية، القدس، حوار بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط

بقلم عفاف عنيبة

  نشر في 31 مارس 2016 .

أقامت صديقتي المسيحية الأوروبية لبضعة سنوات في الجزائر و قبل أشهر من مغادرتها للجزائر أي في ربيع ثاني من عام 1427 الموافق لماي 2006 و بعد فوز حماس في الإنتخابات التشريعية بفلسطين المحتلة جري حديث بيننا حول مأساة الحصار المضروب علي إخواننا في الأراضي المحتلة.

لم أستسيغ فكرة أن نفس الدول التي تتغني بالديمقراطية و حق الشعوب في تقرير مصيرها هي ذاتها التي تحاصر و تعاقب الشعب الفلسطيني علي إختياره !

فردت علي الصديقة المسيحية ف.ك:

- لا تنسي أن هذا الموقف القاسي جاء نتيجة عدم إعتراف حماس بأحقية إسرائيل في الوجود.

- و لما عليها الإعتراف بذلك حماس؟ أليس في الإقرار بدولة إسرائيل تنازل صريح عن أرضنا فلسطين؟ هناك من الفلسطينيين من يروا أنه يحق لهم التشبث بكل الأرض التي إغتصبت منهم. ثم لماذا مطالبة حماس بالإعتراف و بعد 13 سنة من إتفاقيات أوسلو لم يجز الصهاينة قيام دولة فلسطينية و لا يريدون أي حديث عن دولة فلسطينية كاملة السيادة؟

ساد صمت قصير بيننا ثم إرتفع صوت الصديقة الغربية الرقيق:

- يا عفاف ما جرى لفلسطين هو بفعل تفاهم أقوياء العالم فى 1945 على حساب الضعفاء من الشعوب و كان شعبكم العربي المسلم ضعيفا فى فلسطين و كان يعاني فراغا حضاريا رهيبا. فسلمت أرض فلسطين ليهود عانوا من ويلات وحشية الأروبيين. عفاف أعلم أنكم تتألمون كبشر لما يجرى فى الأرض المقدسة و لكن فى حالة عدم إعتراف حماس بالكيان الغاصب، ماذا ستفعلون بستة ملايين يهودى ولدوا و عاشوا و كبروا فى فلسطين 1948 ؟ هل ستقتلونهم جميعا ؟ هل ستعيدون التاريخ الأسود للنازيين ؟

سكت لدقائق، بعدها قلت :

- كل يهودي غير فلسطيني و غير عربي له أن يغادر أرض فلسطين ليعود الى أرض أبيه و جده الأصلية. فاليهودي من أصل مجري أو روسي أو أمريكي له أن يعود الى المجر،

روسيا و أمريكا و ليبقي فى فلسطين اليهود الذين ينحدرون من أصول عربية فلسطينية و ليسمح للاجئين الفلسطينين و هم حوالي سبعة ملايين فلسطينى فى الشتات بالعودة الى فلسطين 1948 هذا هو الحل، يا صديقتي!

عاد الصمت ليخيم بيننا ثم ما لبث أن إرتفع صوت صديقتي المسيحية الأوروبية الذى بدي حزينا :

- يا عفاف، اليهودى الذي ولد في فلسطين عاش و ترعرع فى فلسطين و علم أن هاته هي أرضه و هو لا يعرف شيء عن المجر، روسيا أو أمريكا كيف له ان يغادر أرض يعتبرها أرضه ليذهب الى أرض لم تعد أرضه بحكم مفارقة أجداده لها ؟ فلا شيء يربطه بأرض أمريكا مثلا، إنه لم يتنسم هواها و لم يشرب من ماءها و لم يركض فى مروجها و لا يعرف شىء عن تاريخها. أذكرك بما حصل للإغريق الذين كانوا بيزنطيون فى القسطنطينية، ماذا وقع لهم عندما جاء العثمانيون ليستولوا علي عاصمة إمبراطوريتهم؟ هربوا الى جزر اليونان و بعد عشرات السنين عادوا الى القسطنطينية و الحنين و الشوق لأرضهم و مدينتهم يعصف بهم، ماذا إكتشفوا ؟ إكتشفوا أن مدينتهم لم تعد مدينتهم و أرضهم لم تعد أرضهم و أن كل شيء هناك يحمل أسماء و بصمات المسلمين و ما تبقي من وطنهم إحتفظت به ذاكرتهم. هذا ما ينطبق على اليهود و الفلسطينيين بشكل رهيب، صدقينى كم أنا محزونة كونى أنتمى الى الحضارة التى ظلمت شعب فلسطين! لكن ما لا يجب أن يغيب عنا أبدا أن الأشرار حينما يكونون أقوياء فهم قادرون على تغيير كل شيء التاريخ و الحقائق و الوجود نفسه!!

شعرت عندئذ بإقشعريرة رعب تعتريني و تمتمت بين نفسي :" يإلهى يا واحد أحد أيعقل كل هذا ؟ أيعقل أن أصحاب الباطل شوكتهم قوية الي هذه الدرجة ؟ أيعقل أن تضيع منا أرض فلسطين على الأقل بالنسبة لجيلي ؟" لكن ما لبثت أن إستعدت رباطة جأشي لأقول لصديقتى الغربية:

- أنت تحدثت عن اليهودى حفيد المجرم المحتل اليهودى الصهيونى و لكن ماذا عن أبناء و أحفاد الفلسطينيين؟ هل تعتقدين أنهم بولادتهم فى ديار الغربة فى لبنان أو الأردن، أمريكا أو أروبا قد أصبحوا على جنسية الدول التى تستضيفهم و أنهم علي غير صلة بالأرض التى فر منها أهلهم قهرا و إرهابا؟

- أظن ذلك.

- لا، لا يجب أن تخطإي. فتح المسلمون القسطنطينية و دخل في الإسلام من دخل و فضل البقية التمسك بمسيحيتهم و لا أحد أجبرهم علي خلاف ذلك، و لم يطرد الفاتحين العثمانيين أي من السكان الأصليين و كان مسموح لرعايا الإمبراطورية البيزنطية البقاء أو الرحيل بإرادتهم بينما ما وقع في فلسطين كان حرب إبادة و تفريغ أرض من أجل إستيطانها و ممن ؟ من يهود أتوا من بقاع الخمسة للمعمورة!!! لهذا ما جري قبل 1948 و بعده نرفضه جملة و تفصيلا و يستحيل علينا القبول به!! ثم حتى و إن فرطت فى فلسطين أجيال الفلسطينيين المولودين فى الشتات، فتلك الأرض أمانة فى عنق كل مسلم كان فلسطيني أم لا. فعلاقتنا بفلسطين هى دينية كما هي علاقة اليهودي و لكن علاقتنا نحن هى صحية تقوم على مبادىء العدل و الحق لكل سكانها الأصليين من يهود و مسيحيين و مسلمين. لهذا التخلى عن فلسطين 1948 غير وارد فى قاموس حكومة حماس و إن تخافون على أحفاد المجرمين الصهاينة من الإبادة، فلسنا نحن من نمتلك 200 رأس نووي مخزن فى صحراء النقب و لسنا مجبورين على الإعتراف بإسرائيل و يحق لحكومة حماس أن لا تعترف بكيان غاصب و فى نفس الوقت ليست مطالبة بمحاربة عدو يمتلك السلاح النووي بل ما هي مطالبة به مع جميع القوى المسلمة الحية أن تسترد المبادرة الحضارية من الصهاينة و الأمريكيين، عندئذ فقط نستطيع أن نواجه المحتلين باللغة التى يفهمونها جيدا.

- طيب، أنت أشرت الآن الي قوة الردع النووية التي تمتلكها إسرائيل، ألم تتسائلين ماذا بوسع تل أبيب فعله في حالة ما تجد نفسها مهددة في وجودها؟ سألتني ف.ك.

- لا أستبعد أن يستعملوا السلاح النووي...

قاطعتني صديقتي المسيحية مستنكرة :

- تقولينها ببساطة هكذا!!؟؟؟ يا عفاف هل أنت مدركة لخطورة الوضع؟؟ إستعمال السلاح النووي معناه إختفاء منطقة الشرق الأوسط، و هذا فظيع و مريع و لا نريد أن يحصل علي الإطلاق!! تذكري جيدا أمرا مهما أن الإسرائيلي يفعل أي شيء لينجو بجلده، فأي خسارة لنا عندما سنواجه حرب نووية في المنطقة؟!!

- أنت تبالغين! لن تكون هناك حرب نووية إن شاء الله. فلا وجود لطرف ثاني يمتلك أسلحة الدمار الشامل، ثم إن الله يحمي بيت المقدس كما هو الحال مع مكة و المدينة، فلن تتعرض الي دمار نووي إن شاء الله. لكن لا بد لنا من إنصاف الشعب الفلسطيني، هل يعقل أن يستمر في دفع ثمن جرائم النازين هكذا الي ما لا نهاية؟

- نعم هذا غير عادل. في رأي يتوجب علي أروبا أن تطالب بقيام دولة فلسطينية في حدود فلسطين 1967 و وضع القدس تحت إشراف دولي، فهذه المدينة ليست حكرا علي اليهود دون أتباع الديانات السماوية الأخري.

- لا أوافقك! أراضي 67 لا تمثل نصف فلسطين التاريخية و كيف سيتأتي لدولة أن تكون و هي مقسمة جغرافيا و تحت رحمة المحتل ثم لماذا توضع القدس تحت إشراف دولي؟ يا صديقتي ألم يعيش المسيحيين في كنف الإسلام و المسلمين لمئات السنين في سلام؟

- بلي.

- لماذا إذن لا تعود القدس بكليتها إلينا؟ نحن أولي بها.

- طيب، أخطئت لتعود القدس إليكم و لكن أعني القدس الشرقية و لا مفر من قبول دولة فلسطينية في حدود 67 و إلا ما هو الحل؟

- الحل موجود، بعودة اللاجئين الفلسطينيين الي فلسطين 48 و بإستعادتهم لأراضيهم و بيوتهم و ممتلكاتهم سيمثلون بمرور الوقت الأغلبية في دولة صهيونية ستنهار مع الوقت.

- و هذا ما ترفضه بشدة إسرائيل! عودة اللاجئين هو الخط الأحمر التي لن تتجاوزه الدولة الصهيونية.في الواقع ليس هناك خيار آخر سوي القبول بما هو كائن علي الأرض و علي حماس أن تطور خطها السياسي، عدم الإعتراف بإسرائيل لن يخدمها.

- و هل الإعتراف بإسرائيل خدم منظمة التحرير الفلسطينية؟ ألم يقتل الإسرائيليون عرفات لأنه رفض التخلي عن كل الثوابت الفلسطينية؟ الأفضل لحماس أن تبقي علي نهجها الممانع و الصامد. هي علي كل حال في هدنة مع العدو و لم تعلن الحرب علي إسرائيل. و كيف تفعل ذلك و ميزان القوي في صالح الصهاينة، أتركوا حماس و شأنها، إكتفوا بإحترام خيار الشعب الفلسطيني.

- حقا عفاف لا أري في المستقبل المنظور إمكانية حل عادل، الأمور معقدة للغاية.

- كان بإمكان العرب أن يتحركوا إيجابيا بحيث تقطع مصر و الأردن علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل. فمقاطعة الكيان الغاصب علي جميع الأصعدة ممكن و الإبقاء علي حالة اللا حرب و اللا سلام، عندئذ ستكون المعطيات و الأوضاع مختلفة إلا أن التشتت و الإنقسام العربي زاد في معاناة الفلسطينيين ثم إن الفلسطينيون أنفسهم أخطأوا عندما سحبوا البساط من تحت أقدام الدول العربية بالتوقيع علي إتفاقيات أوسلو بشكل إنفرادي. الله وحده يعلم الي ماذا ستؤول إليه الأوضاع قريبا.

صمتت ف. ك:

- لن تبقي الأحوال علي ما هي عليه، فالأمريكيون جادون في عزل حماس.

- هذا معلوم لكن في المقابل ماذا سيفعل الرئيس عباس و جماعته؟ كيف سيتأتي لهم إنتزاع الفتات الذي تمانع تل أبيب في إعطاءه لهم؟ من المؤكد أنهم لن يحصلوا علي شيء و وضع حماس في الزاوية لن يجدي نفعا بل سيدعم رصيدها. لا أفهم تشبث الفلسطينيون بالسلطة!؟ لما لا يقع حلها ما دام شارون ألغي عمليا إتفاقيات أوسلو.

- لا ليس من الحكمة التخلي عن الحكم الذاتي، هل تريدين أن يعودوا ثانية الي الإحتلال؟

- و هم الآن أليسوا رهينة إرادة الإحتلال، يغلق المعابر متي شاء و يراقب من شاء و يسجن من شاء و يتوغل حيث شاء؟ صارت السلطة شكلية و هذا لا ينفع.

- صحيح و لكن ما هو البديل؟ يري بعض وجوه أوسلو من منظمة التحرير الفلسطينية أنه لا بد من مفاوضات مع إسرائيل و إحراز و لو تقدم محتشم علي طريق إسترداد الحقوق، هم من دعاة الحوار و لا يحبذون غلق أبوابه. و يؤيدهم في هذا المنحي بعض الفلسطينيين.

- يا صديقتي سأصدمك لكن لا خيار لي في ذلك! في القرآن الكريم يئس الله من بني إسرائيل، و من يئسوا بين الفلسطينيين عددهم كبير لا يجب أن نهون منه. طبعا ستقولين لي أنك لا تصدقين ما جاء في القرآن الكريم.

- لن أقول ذلك، فأنا أحترم ما جاء في كتابكم المقدس بشأن فلسطين. نحن نعاني من إنسداد في الآفاق و في الحلول و هذا مقلق للغاية. أنت تعلمين الآن جيدا موقفي، أنا مع قيام دولة فلسطينية في حدود 67 مع القدس الشرقية كعاصمة لها و أعتقد أنه يقع علي عاتق الأروبيين أن ينزلوا بكل ثقلهم في هذا الإتجاه و إلا سيندمون، لأنه إذا ما إنفجرت الأوضاع سنتضرر جميعا دون إستثناء.

عند هذا المنعطف من الحديث لاحظت لها:

- كثيرون في أروبا يشاركونك الرؤية غير أن إرادة الحل ليست متوفرة لدي المؤسسة السياسية الأروبية. فالإدارة الأمريكية تمارس وصاية قهرية علي ملف فلسطين و لا أحد في قارتك له شجاعة أن يقول لها كفي.

-صحيح.


  • 2

  • نظرات مشرقة
    روائية و قاصة باللغة الفرنسية مناضلة حقوق إنسان باحثة و مفكرة حرة
   نشر في 31 مارس 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا