الفلسفة المادية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الفلسفة المادية

البدايات

  نشر في 15 فبراير 2020 .

إن مباحث الفلسفة ثلاث:

الأنطولوجيا (الوجود) الإبستمولوجيا (المعرفة) الأكسيولوجيا (القيم)

وإذا تحدثنا عن النزعة المادية والمثالية، فنحن هنا نتكلم في المقام الأول عن المبحث الأول وهو الوجود، كما أن من يتبنى الإتجاة المادي في المبحث الوجودي سوف يتبناه تلقائياً في المبحث الثاني المعرفة، ولسوف أخصص مقالي هذا عن الفلسفة المادية من حيث البدايات، الأفكار، المنطلقات، التعريف، وبإيجاز بسيط كالعادة، فالغرض هو منح المفتاح، أما فتح الباب فهو راجع إليكم ..

الفلسفة المادية إتجاة أو نظرة أو فلسفة أحادية ترى أن هناك عنصر واحد فقط لتفسير ونشأة الكون وهو المادة، فلا وجود للروح، حتى العمليات العقلية ما هي إلا نتاج للتفاعلات المادية، فما يسمى العقل ليس إلا ظاهرة ناتجة عن عمليات مادية. وإذا كان إنكار الروح يؤدي بالضرورة لنزعة إلحادية إلا أن الماديين ليس كلهم ملحدين، وكثيراً منهم لا ينكر الأخلاق والفضيلة والمشاعر والمُثل.

والمادية في حقيقة الأمر ليست فلسفة حديثة أو ترتبط إرتباطاً وثيقاً بماركس، فإذا ما عدنا للوراء لوجدنا النزعة المادية عند ..

الفلاسفة الأوائل (الطبيعيون) الذين فسروا نشأة الكون على أساس المادة، فنجد "طاليس" يعزو نشأة العالم للماء، فالماء هو العنصر الأول، وهذا التفسير ليس طاليس أول من قال به، بل ذُكر في قصيدة الخلق البابلية قديماً، وعند "أناكسيماندروس" نشأة الكون تعود إلى مادة لا نهائية تسمى الأبيرون، بينما عند "أناكسمنيس" فالمادة الأولى لنشأة الكون كانت الهواء.

وإذا ما انتقلنا للمدرسة الذرية عند ليوكيبوس وديمقريطس والذين تم تسميتهم الطبيعيون الثواني، فنجدهم قد تبنوا كذلك المذهب المادي مثل الطبيعيون الأوائل، ومن الجدير بالذكر أن المذهب الذري له أصول هندية وقد إنتقلت إلى الغرب عن طريق الفرس، كما أن الفلسفة الإسلامية تأثرت بالمذهب الذري ودللت به على وجود الله، ففلاسفة الإسلام رغم علمهم أنه مذهب مادي بحت إلا انهم استطاعوا صبغه بالطابع الإسلامي وأثبتوا به وجود الله فيما يسمى بنظرية (الجزء الذي لا يتجزأ)

وبالرجوع لمقالي الأول (ما قبل سقراط) نلاحظ أن معظم نظريات وأفكار اليونان والغرب ليست إلا نسخ من الحضارات القديمة (مصر، العراق، الهند، الصين) لكنهم وبفضل عقلهم الفذ استطاعوا صناعة قوالب وأنساق متينة محددة المعالم. كما أن معظم الأفكار الهائلة والعملاقة في العصر الحديث على يد ديكارت وبيكون وإسبينوزا وجون لوك وكانط هي في مجملها أفكار لفلاسفة الإسلام كالغزالي وابن رشد وابن سينا وابن حيان. بل أن معظمهم نقل حرفياً من كتب المسلمين ولكن وبسبب العجرفة الزائدة لم يتم ذكر المصادر الأصلية. وهذا لا يعني أنهم لم يسهموا في شيء أو أنهم  وقفوا موقف بعض المسلمين من نقلهم لأرسطو دونما تجديد، بل على العكس، فالحضارة الإنسانية تدين لفلاسفة العصر الحديث بالكثير. وعلينا نحن أن نلوم أنفسنا على عدم الإستفادة من علمائنا ومفكرينا الأوائل.

وليس هذا المهم، فلنستكمل ..

نجد النزعة المادية حاضرة وبقوة أيضاً عند الأبيقوريين نسبة لأبيقور الذي ذهب للقول بأن العالم مكون من ذرات لا نهائية، فالعالم يتكون بإجتماع الذرات، ويفسد بإفتراقها، ويمكن أن نطلق على هذه المادية (المادية الآلية)

بينما عند الرواقيين المنتسبين لزينون، فقد قالوا بوحدة الوجود، لكن ليست وحدة كالتي عند المتصوف ابن عربي، بل وحدة وجود مادية، حيث تطغى المادة على كل شيء، وعلى عكس أبيقور، نجد زينون ذهب للقول بأن العالم يسيره ضرورة عاقلة، وبالتالي نستطيع أن نطلق على تلك المادية (الماية العقلانية)

ولقد إعتنق المادية الميكانيكية أو الآلية كثير من الفلاسفة مثل توماس هوبز المُغالي في نزعته المادية، ودي لامتري الذي نظر للإنسان على أنه مجرد آلة، والذى قال أن الإختلاف بينه وبين الحيوان إختلاف في الدرجة وليس النوع، ودولباخ الذي أنكر الغائية والنفس وأنكر حتى نفسه.

هل هناك نقد موجه للمادية سواء الآلية أو العقلية أو البدائية؟

نعم بالطبع، فالإفراط في المادية جعل الإنسان مجرد آله وذلك بإخضاعه لقوانين المادة وبالتالي تم التعامل مع الإنسان على أنه آلة لا مشاعر لها ولا روح.

كما أن المادية جعلت الإحساس هو المصدر الوحيد للمعرفة (المبحث الثاني) فنحن نكتسب المعرفة من خلال الحواس فقط وليس للعقل دور في ذلك. وهذا ليس صحيح، فالحواس ليست الوسيلة الوحيدة للمعرفة بل في كثير من الأحيان تضللنا الحواس، فنحن نرى الملعقة مكسورة في كوب الماء رغم انها سليمة، ونرى النجوم صغيرة رغم كونها أكبر حجماً من الشمس.

وفي الأخلاق رأت أن كل ما ينتج عنه لذة هو الخير، وكل ما يصدر عنه الألم هو الشر. ولكن هذا ليس صحيح أيضاً، فالدواء قد يسبب لنا الألم لكنه خير، والجنس خارج الإطار الشرعي قد ينجم عن لذة لكنه شر.

إذن من الواضح أن المادية الميكانيكية بشكلها القديم لم تنجح في فرض السيطرة وبلوغ ما أرادت بلوغه، لذلك ظهرت المادية بشكلها الجديد ( المادية الجدلية)

وعلى الرغم من أن المذهب الجدلي يُنسب لهيجل، وهيجل كان صاحب نزعة مثالية معادية للمادية، إلا أن ماركس نحى بالجدل في مسلك مادي بحت. والجدل عبارة عن صراع بين نقيضين ينتج عنهما مركب جديد.

وسوف يتضح الجدل بصورة أكبر بظهور (المادية التاريخية) والمادية التاريخية هي تطبيق الجدل على التاريخ والمجتمع.

مثال على الجدل:

في البداية كان المجتمع الشيوعي البدائي ثم ظهر المجتمع العبودي بعد ذلك (وهنا يحدث صراع بين نقيضين أي الشيوعية البدائية والعبودية) فينتج لنا مجتمع ثالث (مركب) وهو المجتمع الإقطاعي، ثم الإقطاعي يتصارع مع المجتمع الرأسمالي فينتج مركب آخر وهو المجتمع الإشتراكي وهكذا حتى يأتي المجتمع الشيوعي وهو النمط أو الشكل الأخير من المجتمعات.

وهنا يمكن أن نبرز نقطة ضعف عند ماركس، فهو في البداية يرى أن المجتمعات في حركة جدلية لا تنتهي، ثم في النهاية يقول أن الشكل الأخير للمجتمعات هو الشيوعي، إذن هو يستخدم الجدل فقط لخدمة مذهبه وبعدما وصل للمجتمع الذي يرغب فيه، ترك الجدل! فالجدل إذن انتهى لنتائج غير جدلية. (نقد)

التغيير وفقاً لماركس يحدث بسبب مبدأ فائض القيمة وهو مبدأ يرى أن

قيمة السلعة = قيمة العمل المبذول. ولكن نجد أن الفائض لا يأخذ منه العمال شيء بل تنهبه الطبقة الحاكمة أو المدير أو البرجوازية. وعندما تدرك (البروليتاريا) أو العمال ذلك يتشكل لديهم الوعي ومن الوعي تنتج الثورة، ولذلك تنبأ ماركس أن الثورة سوف تحدث في المجتمعات الصناعية مثل إنجلترا.

وهنا نقطة ضعف آخرى عند ماركس حيث أن الثورة قامت في المجتمعات الزراعية في روسيا والصين وليس في إنجلترا. (نقد)

المجتمع عند ماركس يتكون من بُنى فوقية وتحتية، الفوقية (الدين، الأخلاق، العادات، الفن) التحتية (قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج) والبني التحتية هي التي تُحرك وتشكل البنى الفوقية.

النقد الموجه للمادية الماركسية

أ_ الجدلية ترفض مبدأ الهوية، وهو مبدأ أولي في العقل حيث أن ( أ=أ ) أو القول بأن (محمد شريف هو محمد شريف ولا يمكن أن يكون شيء آخر) فالشيء هو ذات الشيء ولا يمكن أن يتحول أو يتغير. نجد الجدلية رفضت هذا المبدأ!

ب_ أيضاً أنكرت الجدلية مبدأ عدم التناقض وهو مبدأ أولى. كأن نقول أن هذا الشيء موجود أو غير موجود، لكن لا يُعقل أن يكون موجود وغير موجود في نفس الوقت! هنا نجد الجدلية ترفض مبدأ عدم التناقض وحجتها في ذلك أن الموت والحياة كلاهما موجود في الإنسان .. وهذا خطأ، فما يوجد في الإنسان الحياة بالفعل مع إمكانية الموت وليس الموت بالفعل.

ج_ أيضاً نقطة أن ماركس ترك الجدل بعدما استخدمه، ونقطة التنبؤ بالثورة في المجتمعات الصناعية وحدها. وقد ذكرتهما سالفاً.

د_ الماركسية غالت وأفرطت في المادية، وأنكرت الدين والروح.

ه_ أرجعت كل شيء للعامل الإقتصادي.

و_ قيمة السلعة = كمية العمل المبذول. وفي الحقيقة أن القيمة تتحدد بالكيف وليس بالكم فقط. فعلى الرغم من بساطة اللوحات الفنية إلا انها من ناحية الثمن باهظة جداً.

ى_ رفض ماركس الطبقات رغم قوله بالبروليتاريا الدكتاتورية. نقد الإشتراكيات الطوبائية رغم قوله بها. قسم المجتمع لفئتين رغم وجود فئة ثالثة متمثلة في المهندسين والفنيين وغيرهم.

ونقاط النقد كثيرة جداً ولكن أكتفي بهذا السرد البسيط جداً جداً ليكون مفتاحاً لمن أراد التوغل في القراءة عن الفلسفة المادية.

ولا بُد من ملحوظة أخيرة:

نجد أن التاريخ يمر بمراحل: حيث يبدأ بالمشاعية البدائية، ثم المجتمع العبودي، ثم الإقطاعي، الرأسمالي. وبعد الرأسمالي قال ماركس بالمجتمع الشيوعي، ولكن لصعوبة تحقيق ذلك، قال أتباعه بالمجتمع الإشتراكي أولاً ثم بعد ذلك الشيوعي.

ولكن السؤال هل المجتمع الشيوعي الذي قال به ماركس قد تحقق بالفعل؟ أو هل سيتحقق مستقبلاً؟

* الشيوعية

مصطلح يشير إلى مجموعة أفكار في التنظيم السياسي والمجتمعي مبنية على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج في الاقتصاد؛ تؤدي بحسب منظريها لإنهاء الطبقية الاجتماعية ولتغيّر مجتمعي يؤدي لانتفاء الحاجة للمال ومنظومة الدولة (ويكيبديا)



  • محمد شريف
    ‏‏‏‏‏‏‏قد أُعدم مثل سقراط أو أُصلب كالحلاج. من يدري ! أنا مزيج من التصوف والعدم ..
   نشر في 15 فبراير 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا