لقد أفرزت الرأسمالية تفاوتا طبقيا عفنا ينخر في كل المجتمعات، فحيثما يولي المرء وجهه يرى أقلية فاحشة الثراء لا يعيها أغلبية الفقراء، ولا تحمل في ضمائرها مسؤولية تجاهم، فكل ما يعنيها تحقيق المزيد من الأرباح وبالتالي تكديس الثروات حتى ولو كان ذلك على رقاب الفقراء.
وما بين لا مبالاتهم وسعيهم الدائب إلى تحصيل المزيد من الثروة تحاك كثيرا من التراجييديات والقصص الدرامية الحقيقية، فما بين طفل شريد، يغوص في قاع صندوق قمامة باحثا عن فضلات طعام يقتات بها ويستقوى بها لمتابعة حياته الكئيبة، وشاب يمر شريط حياته أمام عينيه بينما يتهاوى محتضنا أعماق نهر جار، متخلصا من حياة تسمها البطالة والرتابة واليأس والتكرار، وشيخ تنهمر دموعه من عينيه بينما متحسرا على ماضيه السعيد ومتألما من حاضره التعيس في ظل إهماله من قبل القريب والبعيد.
فطفل القمامة لو عاش في عالم اعتبر فيه الاغنياء أن أموالهم مسؤولية تجاه الأخرين أكثر من كونها ثراء لأنفسهم، لما كان يقتات على الفتات، وكانت لترتسم على وجهه ابتسامة عريضة تنم عن السعادة والأمل، وشاب الجسر لو وجد في عالم تقوم دولته فيه بالضرب على يد الأغنياء وعدم السماح لهم بان يستغلو الشباب، وأخذ الضرائب منهم لتوجيهها في توفير فرص عمل لهم، لكان الأمل والتفاؤل أبرز معالم وجهه، وكبير السن لو كان في حياة لم تطغى المادة على قلوب البشر فيها وكانت صلة القربى وبر الوالدين يسموان على تحيل الثروات لكان مبتسما وهو يلتقط لنفسه ولأبنائه وأحفاده صورة "سلفي" تدوم ذكراها في قلبه إلى مماته.
فلنا أن نتخيل عالما تخلو منه قيم الرأسمالية الانتهازية وتحل محلها قيم العدالة والمساواة والمسؤولية وإعلاء قيمة الانسان على قيمة المال.